السبت، 23 أكتوبر 2010

امساك بمعروف او تسريح باحسان

سرت قشعريرة فى أطراف أقدامها فتقلبت فى مرقدها فوق السرير ومدت يدها لتصل للغطاء كى تتدفأ به ، كان ذلك فى أحد أشهر الخريف منذ زمن حين كان فصلا تتقلب فيه الفصول الثلاث الأخرى فى يوم واحد دون تمهيد، وتحديدا كان اليوم الثامن من شهر نوفمبر.

أثناء تدثير جسدها بالغطاء ا صطدمت يدها به فجفل وصاح بها "فيه ايه؟" أجابت فى صوت خافت راعت فيه الهدوء "أبدا بردانة ! هو انت شغلت المكيف؟ " قام من رقدته فى حنق وبسرعة البرق كان عند المكيف وأغلقه قائلا: "وآدى المكيف علشان ترتاحى ثم ذهب الى النافذة التى تطل فوق الفراش ليفتحها على مصرعيها فانتفضت من رقدتها " الناس كده شايفانى وأنا نايمة فى السرير" وحقا كانت النافذة تكشف السرير تماما للجيران فى العمارة المقابلة.ثار قائلا وهو يغلق النافذة فى عنف " دى بقت عيشة تقرف" وكأنها تنساق وراء قضاءا قدر لها وخطة وضعت له بعناية وليس عليه سوى تنفيذها باتقان . وعلى غير العادة نطقت دون تفكير "خلاص اذا العيشة بقت تقرف قوى كده نفضها" وكانت تلك الكلمة السحرية التى ينتظرها منذ أكثر من عام. شهورا وهى تعانى فى صمت من محاولاته تحويل كل حوار الى شجار ليخرج من المنزل مغاضبا ولا يعود الا فى اليوم التالى بحجة أنه يريد أن يريح أعصابه عند والدته ، أو بعد نومها وبعد منتصف الليل بساعات.

صارا لاعبىين تنس يطاردان كرة خفية يقذفها نحوها فى عنف ولا تملك سوى صدها وإعادتها له حتى لا تخسر الماتش. مد يده وأخذ إحدى الوسادات وتمدد على السجادة وهو يحدث نفسه ولكنه حريصا أن تسمعه " أنا عارف ان مفيش فايدة فى حياتنا مع بعض ، وان الحل هو الطلاق وبما انك انتى اللى طلبتيه دلوقت يبقى خلاص بكرة الصبح نخلص وكل واحد يروح فى حاله" . كم مرة سمعت منه لفظ الطلاق عشرات المرات خاصة فى هذه السنة؟ كم مرة هددها به وكانت تسترضيه وترجوه ألا يغضب وتعتذر عما أغضبه رغم تفاهته وتتودد اليه حتى لا يسرع بالخروج وهو غاضب منها. كانت هذه الطريقة تفلح معه فى بداية زواجهما من خمس سنوات أما الآن فلم تعد تفلح فى تهدئته بل ان ثورته تزيد ويلومها بأنها فى كل مرة تقول هذا ثم تعود لفعل ما يغضبه.

والحقيقة انها تجد نفسها الآن تفكر فى كل تلك الأفعال فتجد ان معظمها أشياءا لا قيمة لها ويمكنه التغاضى عنها: كأن تعود متأخرة الى المنزل عن الموعد الذى حدده لها لأنها لم تجد وسيلة مواصلات تعيدها فى الميعاد ، أو يتصل بها ليجد التليفون مشغولا لأكثر من 10 دقائق ويكون أباها هو المتحدث والذى لا يتكلمها فى مجمل المكالمة أكثر من دقيقتين الا أن الوقت يتضاعف حين يقاطعه زبائنه فى المتجر فيذهب لتلبية طلباتهم ويستبقيها باقى ذلك الوقت على الخط منتظرة عودته لها، أو صديقة تطلبها لتشكو لها وتعيد وتزيد فيسقط منها الميقات المسموح به وخاصة اذا لم تتوقع منه مكالمة لها فى هذا الوقت بالذات.

تحملت كثرة ثوراته ،و تعمد اهاناته و تزايد اهماله لها حتى كادت الخيوط التى تربطهما أن تنقطع . ولم تعد لغة الكلام تسعفهما بعد أن كان التفاهم بينهما لا يحتاج سوى نظرة . أحست بأن الأنانية كالرياح الصحراوية.. جففت كل أنهار الحب التى كانا ينهلا منها ، وأن كل نسائم الوفاق التى تنفساها قد سكنت وخرجت تلك الرياح من مصدر غير معلوما لها تنفث الكراهية وتنهش محراب أمانهما يسوسها خيالات غير واضحة المعالم لأشخاص لا تعرفهم لكنها تحس بهم يخربون حياتهما ويقوضون ما تبقى من مشاعر بينهما ، زادا عنه طويلا حتى استطاعا بناء عشا ليجمعهما رغم أنف المعارضين.تذكرت ثورته على والدته - والتى يكاد يعبدها بعد الله - حين سمعها تتحاور معها بطريقة أحس فيها بتجن عليها. ولم تكن تغضب من حماتها أبدا بل تعذرها لأنه وحيدها وتتفهم احساسها بفقدان الوحيد حتى لو كان هذا الفقدان حلالا يشرعه الله. كم ثار فى هذا اليوم وأصر على أن ينفصلا فى المعيشة وتفاجأ بعد عودتها من عملها بخادمتهم تنتظرها على الباب وتقول لها فى شماتة "اذهبى الى بيت أباك ، فلقد أرسلنا لك هناك كل أغراضك" أخفت ألمها عن السائق وطلبت منه ايصالها الى منزل الأسرة وقلبها ينهشه القلق و لا تدرى حقيقة ما حدث ؟

هنا استقرا فى شقة أسرته القديمة والتى فى نفس منزل اسرتها حيث تعارفا وتحابا منذ كانا مجرد صبىيا وفتاة. استقرا فى الشقة ولا يملكا سوى حجرة النوم هدية والدها. وجاء عليهما رمضان ولم يكن لديهم سوى مقعدان وطاولة من الخزيران . وكم كانت سعادتهما فى العام الأول وهما يضيفان الأثاث والأدوات الكهربائية حتى كادت الشقة أن تكتمل . نعم كادت فلم تتم أبدا والمثال على ذلك انهما اشتريا قماشا لكنهما أبدا لم يصنعا منه الستائر كما كانت تأمل ولهذا اعترضت على فتح النافذة حيث لم يكن هناك أى ستائر لتحجب مخدعها عن الجيران.

قبعت فى الظلام دون حراك تتصارع الأفكار فى رأسها، نفسها تحدثها بأن تتودد اليه حتى لا يكبر الموضوع ، فتهدأ قليلا وما ان تتهيأ للكلام حتى يخرسها احساسها المرير بكرامتها المهانة. وبين نفس تطلقه وآخر تحبسه أطلقت رغما عنها زفيرا كبخار طال حبسه بين جنباتها. مما استفزه فقفز فجأة واقفا: " لأ وليه نستنى للنهار، قومى ندور على مأذون، ياللا البسى ". اندفع خارجا الى الردهة وسمعت قرص التليفون وهو يدور وفهمت من الحوار انه يحادث أحد أصدقاؤه متسائلا عن عنوان قريبه الذى يعمل مأذونا. وكأن الموضوع قد تم بحثه بينهما من قبل سمعته يقول " تمام زى ما اتفقنا احنا حانكون جاهزين وننزلك قدام العمارة علشان تودينا عنده بعد ربع ساعة" قامت تجر أقدامها ترتدى فى الظلام ما قابلها من ثياب دون تدقيق.

حاول المأذون اثنائه عما انتوى ورغم ان النصح كان موجها لهما معا الا أنه لم يعطى لها فرصة للرد أو الكلام مع الرجل. الى ان واتتها الشجاعة لتقول" هو اللى عاوز كده مش أنا" وانفجر منهالا عليها بالشتائم وغامت بها الدنيا وهو يذكر فيها أباها وأمها. ولم تفاجأ بثورته ولكنها فوجئت بثورتها هى " حرام عليك سيبهم فى حالهم بقى هما فى دا رالحق دلوقت" ووجهت حديثها للرجل " خلاص يا عم الشيخ خلصنى منه" وانسابت أنهار الدموع من عيناها وهو يلقى عليها بيمين الطلاق.

لا تدرى أبكت حبا واهما عاشته سنوات ؟ أم بكت سنوات ضاعت فى ذلك الوهم؟ هل بكت حزنا أم خلاصا وارتياحا؟ هل بكت ضياعا عاشته وصار ماضيا أم ضياعا مبهما ينتظرها مستقبلا ؟ فهى لمدة 12 عاما عمر علاقتهما ما بين ما قبل وما بعد الزواج لم تتنفس الا بأمره ولم تحرك ساكنا حتى يشير اليها. يشترى لها ملابسها وينتقى منها ما تلبسه حين تخرج معه أو من دونه. يرفض أن تقص شعرها وهى تعشق الشعر القصير، لا تطبخ الا ما يحب وتأكل نفس الأنواع فى ايام متقاربة فالأنواع التى يفضلها قليلة لا تتعد اصابع اليد الواحدة. وحين تشتهى شيئا معينا تتسلل بعد أن يخرج الى بيت أمها تتناول ما حرمته على نفسها ارضاءا له.

سنوات قاست من شكه وغيرته واتهامه لها بالكذب كأنه يمارس معها اسقاطا لما يفعله هو . سنوات تفنن فى التفتيش فى المنزل عن بضعة سنتيمرات لم تطلها يد النظافة ليسلط عليها سيف التبكيت أو سيف التنكيت حين يسخر من مظهرها أو من شيئا قالته دون مراعاة أن تسيل خجلا دمائها أمام الآخرين أم عجزا اذا كانا بمفردهما. سنوات تذكر نفسها بأنه يكفيها فخرا أنه اختارها هى دون أخريات لتهون على نفسها الحياة ولا تدرى انه اختارها لأنها ستكون طوعه وتحت أمره، وتعود تفكر أنه انفصل عن والدته من أجلها ولا تدرى أنه لم يثور من أجلها انما ثار لنفسه ولكى يقطع الحبل السرى الذى تخنقه به حبا وحتى يطير محلقا فى سماء جديدة يختارها لنفسه .

قالت جدتها لها ذات مرة: "حبيبك يبلع لك الزلط وبغيضك يعد عليك الغلط" وبين الزلط الذى أطلقه عليها فى ثوراته فأصابها اما شتائم بالأهل أو لطمات للوجه ، وبين جبل الغلط الذى ارتفع فوق رأسها فى صورة أخطاءا يخترعها لها كل يوم . وتحولت العلاقة بينهما الى علاقة العبد بالسيد ، فالعبد لابد أن يقول حاضر حتى وان تاه عقله ولم يعد حاضرا ، علاقة أشبه بالإدمان : إدمانا للخوف من الغد وما يحمله. وادمانا للسكون فماهى فيه معه قد يكون أحسن مما ينتظرها دونه. فقدت ثقتها بنفسها واستغنت عن التفكير بعقلها فهناك قيدا حديديا يطوق عنقها فلا تتكلم الا بما يحفظها اياه ، وقيودا أخرى فى أرجلها فلا تتحرك الا فى المحيط الذى رسمه لها . أما يداها فكبلها فى حبال أمسك أطرافها وله فقط الحق فى تحريكهما فى التوقيت الذى يرغب ، كانت عروسه ولكن عروسا ماريونيت صنعت فقط من أجل أن يمتلكها.

كيف تناست أن الله قد خلقنا أحرارا! وان الحرية هى منحة من الخالق لا نملك حق التنازل عنها لأى مخلوق! ولا تذكر متى بدأت فى التمرد؟ هل بعد أن هانت عليها الدنيا فقررت الفرار منها بمحاولة انتحار فاشلة. تذكر جيدا وهى تفيق ما قاله لها. "خسارة يا شيخة كنتى حاخلص من واحدة كافرة زيك". أم كان بعد وفاة والديها وحتى لا تدمى قلبيهما حين يتأكد لهما ما أبصرا به من سوء اختيارها له كزوج؟ أم بعد سكوتها على اعتداءه عليها بالضرب مما شجعه على الاستمرار؟ أم حين نزلت لتعمل واكتشفت آدميتها فى تعامل الآخرين معها؟ أم لإستفاقتها على همسات من حولها عن علاقاته المتعددة بأخريات والتى عانت منها نفسيا بانفصاله عنها وجسديا بأمراض نقلها اليها؟

خرجت من عند المأذون وحدها تنصت لسكون الحياة واختفاء الطنين من رأسها ، يداعب أنفاسها عبير الندى قبل طلوع الفجر، تمشى وحدها فى الطريق الى منزل عائلتها والذى وبرغم فراغه ممن كانا يعولانها الا انه الملاذ الوحيد الحقيقى المتبقى لها . راقبت شروق أول أيام شمس حريتها وابتسمت ردا على تحية عصافير رفرفت فوق رأسها وشقشقت لها نشيدا بالانتصار على العبودية. وشاع فيها الإحساس بالطمأنينة وانها ليست وحدها حين اقتربت من البناية لتسمع من بعدد مذياعا ترتل فيه آيات قرآنية لم تتبين منها سوى "فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان" رفعت رأسها فى عزة وناجت بإخلاص " يارب".

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

هل تعرضت مرة لأن تُصداد؟

الصيد حرفة ووسيلة للحصول على الرزق. الصيد هواية وفن لتمضية الوقت أيضا. وبين الإثنان تشابه وتباين. وما أعنيه هنا الصيد كهواية. أشهر أنواع الصيد صيد السمك بالصنارة يمارسه الهاوى والمحترف. يظل الصياد قابعا ساعات فى البرد أو الحر فى انتظار الفريسة التى تأتى لإلتقاط الطعم ، و"هوب" تقع فى يد الصياد وينتهى بها الحال فى سلته حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة. وهناك أنواع أخرى من الصيادين تخصص صيد بشر. نعم هذه مهنتهم صيادى بشر!

وبعد أن كان الصيد هواية أصبح حرفة للنصابون الذين ينتشرون حولنا.

نصاب يقترب منك بهدوء وفى يده رزمة روشتات ليطلب المساعدة أو سيدة فى غاية الشياكة تطلب أن تكمل لها أجرة السفر فلقد اختطفت شنطتهاللتو ولا تدرى كيف ترجع لمحافظتها، أو بائع قلل أو بيض أو زبادى (كل يوم تكتشف سبوبة جديدة) يجلس يبكى بجوار عربته المقلوبة أو بضاعته المنسكبة ليستدر عطفك فتمنحه ما تيسر تعويضا عن ضياع البضاعة ، أو فتاة فى عمر الزهور تركب سيارة وتقترب منك فى محطة الوقود طالبة فى تلعثم أو خجل أو حتى بجاحة أن تضع لها 10 لتر فقط فلقد نسيت حافظة النقود فى المنزل.

هناك آخرون تخصص موبايلات، يرمى على ملابسك أى مادة غريبة دون أن تلحظ ثم يتظاهر بمساعدتك فى تنظيفها ليمد يده فى جيبك أو فى حقيبتك ويسرق الموبايل أو المحفظة، أو آخر يقف لك فى عرض الطريق بحجة أن موبايله قطع شحن ويطلب عدتك ينقل اليها شريحته لاجراء مكالمة حياة أو موت ثم يسرع بالسيارة وعدتك معه ويتركك تقف ممسكا بشريحتك فى يدك مذهولا من سرعة التنفيذ.

او رجل يتقدم لفتاة بعد دراسة كل أحوالها ويطلب الزواج منها سريعا قبل انتهاء أجازته وعودته الى العمل لتفاجأ بعدها بأنه أيضا نصاب اما احتال عليها وسرق نقودها دون أن يتم الزواج أو يتزوجها فعلا ثم يبلط لها فى المنزل ويعيش على قفاها وتكتشف ان البيه الدكتور هو خريج معهد صحى وخالى شغل.

وهناك الفتاة التى تنصب حبالها على رجل مريش متزوج لتنشله من أسرته وتستاثر بثروته أو أخرى تلطش خطيبا من صديقتها التى تأتمنها على أسرارها بعد أن تفضحها أمامه، أو الجارة المطلقة التى تتمسكن على جارتها حتى تتحايل على زوجها ليراعى لها مصالحها وتنتهى الجولة لصلحها بالاستحواذ التام على الزوج.

هناك من يحتال على المشاعر لتمضية وقت لطيف ثم يختفى وقت الجد، وهناك من يستغلك فى طلب خدمات لا ترد أبدا اذا ما احتجت اليه يوما ما، وهناك من يقترض ولا يرد ويعتمد على انه ينسى وانك ستحرج من مطالبته بالرد. وهناك من تعطيه بخاطرك أكثر مما يستحق وتقف بجواره فى كل أزماته ولا تجده بجوارك حين تحتاج للمؤازرة. وهناك من يأخذ رداءا أو كتابا أو حتى وعائا على سبيل الاقتراض ولا يرده أبدا.

واذا كانوا قديما قالوا "ان سرقت .... اسرق جملا وان عشقت.... فاعشق قمرا" الا ان الناس صارت تسرق أى شىء من فكرة لمقال ، أو موضوع لقصة فيلم، أو موديل فستان، أو حتى اسم عزيزا ستسمى به أحد أولادك أو أحفادك فيسبقك فى فى التسمية .صرنا نعيش عصر الاحتيال والسرقة والإستغفال ولا حول لنا ولا قوة . فالقانون لا يحمى المغفلين

الأحد، 17 أكتوبر 2010

الحمد لله انى لم ألد

الحمد لله انى لم ألد

صحيح أن زينة الحياة المال والبنون إلا ان الله أختار لى ألا ألد وأنا هنا أسجل الحمد والشكر له على ذلك.
حين كنت صغيرة كنت أصنع عروسة من القماش وأحشوها قطنا لأعطيها لأختى الصغرى تلهو بها وكان دورى يقتصر على حياكة بعض الملابس للعروسة بعد ذلك.

حين خطبت لم يكن الحديث يتطرق بيننا أبدا مثل كل المقبلين على الزواج لعدد الأولاد الذين ننوى انجابهم أو الأسماء التى سوف نختارها لهم أو حتى اذا كنا نفضلهم أولاد أم بنات. حتى بعد زواجى كنت أدور على الأطباء لا بحثا عن الانجاب حبا فى الإنجاب رغم محبتى المطلقة للأطفال، ولكن لكى ابعد تهمة العقم التى ألمحها ممن حولى بعد شهور قليلة من زواجى. فبعد أن كانت التهمة امنيات مثل (ربنا يراضيك عن قريب أو مفيش حاجة حلوة جاية فى السكة؟) أصبحت تصريحات (ياختى انت ساكتى على روحك ليه متروحى تكشفى؟) ، ثم اتهامات التقصير طبعا من حماتى (نفسى أشيل له ابن قبل ما أموت). وفى دورتى بحثا عن الإنجاب فى عيادات الأطباء ومستشفياتهم لم يكن زوجى يصحبنى أبدا فى البداية بحجة أنه مشغول فى عمله ليل نهار ، ثم بعد ذلك صار يقول لى (أنا مش عارف انتى مستعجلة على ايه ) ، أو (خدى أمك معاكى ما هى اللى بتزن على دماغك). وللحق ان أمى لم تكن هى التى تزن ولكنها أمه!

كنت أظن ان وجود طفل سوف يذيب ما بيننا من اختلافات وخلافات، وآملت أن يجعله يعود للمنزل بدلا من سهر الليالى مع الأصدقاء وأيضا الصديقات كما علمت بعد ذلك. ورغم ارتباطه المرضى بأولاد أخته الا أنه لدهشتى لم يكن مكترثا أن يكن له أطفالا.

ذهبت لكل مشاهير النساء والولادة فى عهدى منهم من كان صادقا فى ان كل شىء - بعد التحاليل والآشعات -عندى طبيعى وما هى الا مسألة وقت. ومنهم من رآنى صيدة وأشار بعمليات نفخ للأنابيب أو كحت للرحم، أو ماشابه. كنت أدفع اتعابها صاغرة من نقودى الخاصة، فهو لم يكن أبدا راضيا عما أفعل بل لم يرافقنى فى أيا من تلك العمليات. حتى أخر عملية وكانت بعد وفاة والدى بأسابيع وكانت أمى ترافقنى وكدت أضيع بسبب خطأ فى التخدير وأفقت على بكاء أمى وهى تصيح بى (حا تموتى نفسك على إيه، يا بنتى اللى ما يغليهوش جلده ما يغليهوش ولده) أى : اذا لم يكن زوجى يحبنى ويريد الاستمرار معى لذاتى فلن يجبره وجود طفل على هذا. وصعبت على أمى وكانت قد فقدت أثنتان من أخواتى فى عمر الشباب واحدة منهما نزفت بعد ولادتها ابنتها حتى الموت، فوعدتها بأنى لن أجرى تلك العمليات مرة أخرى.
وقادتنى الصدفة لأذهب مع احدى صديقاتى لزيارة طبيبتها فى موعد لمتابعة حملها. وأثناء انشغال الممرضة بها فى قياس الضغط وتقدير الوزن سألتنى الطبيبة (هل عندك أولاد؟) وكأن هذا السؤال ينتظرنى دائما وبعد كل تلك السنوات. بالطبع كانت إجابتى لا ، ومع استرسال أسئلتها ومع إجاباتى عما فات خلال سنوات زواجى الخمسة، بادرتنى متسائلة (ازاى مفيش حد طلب تحاليل للزوج؟) ، قلت لها انه رافض تماما مجرد الحديث فى الموضوع. وبتوجيه من الطبيبة وبطريق الاحتيال (ولست هنا فخورة بما فعلت) تمكنت من الحصول على عينة لزوجى وأرسلتها دون علمه للمعمل. قضيت يومان من أطول أيام عمرى قلقة على النتيجة وخائفة من اكتشاف أمرى حنى تسلمتها. وعرفت أن زوجى عقيما! وقال لى طبيب المعمل (يا مدام أكيد زوجك يعلم لأن هذه الحالة نتيجة لمرض أصيب به فى طفوله أو عدوى من مرض أصيب به فى مراهقته). لم يكن ذلك السبب المباشر لطلبى للطلاق ولكن طلبته حين فاض بى من اهماله لى ومن الرائحة التى فاحت لعلاقاته المتعددة والتى كانت أخبارها تصلنى عن عمد عن طريق صديقاته طمعا فيه أو بغير عمد من صديقاتى اللاتى يلاقونه مع أخريات بالصدفة. وهكذا مضت السنوات بى وأنا مطلقة ، وحين تزوجت للمرة الثانية كان الوقت متأخرا ، فقد فقدت القدرة على التبويض مبكرا فى بداية الأربعين من عمرى.

وأعود لأشكر ربى مجددا لنى لم ألد وان لعبت دور الحاضنة فى فترات لأولاد أخوتى الا اننى لم أكن أما لهم . فالحاضنة تنعم بالصحبة والضحك واللعب مع الأولاد ويمكن أن تجلب لهم هدايا لكنها ليست مسئولة عنهم تماما. أحمد الله انى لست أما خاصة فى هذا الزمان . فالمرأة أصبحت فى معظم البيوت هى المعيلة لأطفالها سواء وجد الأب أو انعدم. فهى التى تقوم بكل شىء داخل المنزل وخارجه. ودورها داخل المنزل مفهوم وليس جديدا عليها. أما الجديد فهو ايصال الأولاد للمدرسة ثم للدروس الخاصة ولحضور مجالس الآباء اسما فقط لأن الحضور جمعيا يكن أمهات ، أو لمزاولة النشاط فى النادى أو لشراء الملابس والأحذية سوءا كانت تملك سيارة أم تستخدم المواصلات وطبعا تتحمل هى تكاليفها.
أحمد الله انه جنب عيونى الحول والذى تصاب به الأمهات من كثرة وضع عيونهن فى وسط رؤوسهن لمراقبة البنت وهى غرفة نومها تتحدث على الموبايل - والذى يدفعن كروته من لحم الحى - أو تدخل هى غرف الآخرين عن طريق الشات على الإنترنت. أو لملاحظة أى تغير على الولد من روائح غريبة (كالتدخين) أو تصرفات أغرب (كالإدمان). والمداراة عن الأب حين يعود متأخرا أو للتحجيز بينهم حين يعلم الأب ويقرر صفعه أو طرده من المنزل وتشخط (غور من وشه الساعة دى) ولا تعلم هل تقصد الفتى أم أباه؟
أحمد الله انى لم ألد بنتا ولا ولدا أربيهما على الغالى فى بيتى حتى يكبرا ويغادراه الى بيت أغلى أقوم بتأثيثه ودفع تكاليف الفرح اذا اردت أن افرح بهما وتضيع مدخراتى التى جمعتها بشقاء السنين أو أضطر للإقتراض بضمان المعاش فلا أجد فى الهرم ما يأوى. أحمد الله انى لن أرى ابنى الغالى وهو يلفع طفله بيد وشنطة الطفل باليد الأخرى بعد أن ظللت أحمل عنه شنطة كتبه حتى لا ينعوج ظهره حتى خط شنبه فى وجهه. أو أرى بنتى الحيلة وهى تدور بين التنظيف والغسيل الخ.. الخ وبطنها أمامها حامل فى آخر شهر، وهى التى لم تكن ترفع الياسمينة من على الأرض.

أحمد الله كثيرا وأنا أرى امهات مرضى يرقدن بلا حول فى حراسة الممرضات وليس برعاية الأبناء. أحمد الله أكثر وأنا أرى عدد دور المسنين يتضاعف وفيها يلقون بهم فى غرف عارية من الذكريات و باردة تمهيدا لبرودة أطول ستجىء عاجلا أم آجلا.
ليس أصعب من موت من كانت تدعوا لك. وأحمد الله على انى لن أترك من يحزن على فراقى أو على قلة ما سأترك له. وانا لا أريد عزاءا بل تقتصر المراسم على الصلاة ، وأحمد الله وأدعوه أن يلهم بعض أبناء العائلة حضور جنازتى وإلا سيحملنى البواب وأبنائه أوصبية الحانوتى أو عابرى السبيل فلن يستطع زوجى أو ما تبقى من اخوتى أن يحملوننى بمفردهم.

الحمد لك يا رب فلقد خلقتنى لما يسرته لى وأنت أعلم بى من نفسى، اللهم فأحسن خاتمتى ويسرها لى.

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

اطلالة على نافذة الستين

بالأمس ، أهدتنى صديقة صورة أخذت لى فى عرس ابنتها، نظرت ورأيت صورتى ، يا الله أهذه أنا! انى أنظر لنفسى مرة على الأقل يوميا فى المرآة ويبدوا انى لأكثر من 20 عاما لم أعد أرانى. نعم أنظر فقط ولا أرى . فقدت احساسى بالزمن وهو يتسرب الى أيامى ويترك بصماته على ملامحى. أهذه حقا أنا؟

أن يتقدم بــك العمر,, فهذا حتمي.

ولــكــن|

أن تشيخ روحك ,, فهذا أخــتيارك

طوال السنوات المنصرمة أنظرلوجهى ولا أرى انعكاس صورتى الحقيقية . عدسات حدقتى انغلقت على صورة سابقة تعود لسنين مضت ولم تعد ترى سواها. نظرت كثيرا الى يدى ولم ألحظ ولو مرة من قبل تلك البقع البنية المتفاوتة الشكل تتناثر على ظهر كفاى كخريطة لعمر انساب رملا بين اصابعى . وألحظ أيضا عروقا جفت وتخضبت باللون الأزرق المخضر فى غفلة منى كخطوط ترحال لسنين سقطت منى سهوا أم عمدا لا فرق ولكنها ضاعت من الذاكرة والتى أوشكت أن تفقد حدتها من كثرة ما طبع عليها، ساعات تمحى وأخرى تسجل على الشريط حتى أوشك أن يرتهل ويبلى بل لم تعد تسعفنى تلك الذاكرة فى تذكر الأسماء قبل الوجوه ، ناهيك عن الأرقام وأماكن تركت فيها مفاتيحى أو شيئا ثمينا حفظته فيها .

طوال سنوات امضى سائرة بمركبتى انتقل فى طرق لم أخترها أحيانا أو اخترتها بعمد أو بغير عمد أحيانا أخرى. سنين أنتقل من طريق رئيسى الى آخر فرعى يقودنى الى متاهات و طرق ممدودة أومسدودة ، طرق تفاجئنى فيها مقبات ومطبات . كنت أظن أن المقبات من صنع الزمن أتسلقها للوصول الى غاية ما أنشدها ، وأن المطبات من صنع الآخرين لعرقلتى عن غاية أخرى لم أنشدها.

لسنوات عديدة وأنا أمشى مترجلة حتى تعبت . سنوات ضاعت فيها خطواتى المتمهلة اكتشافا واستطلاعا حتى أنت قدماى بحملى وحمولتى. وسنوات تلاحقت أنفاسى من الركض سعيا للرزق وللمكانة المنشودة وتحقيقا للذات حتى بات الركض خطرا على حياتى وقلبى فتناقصت سرعتى حتى قاربت الصفر. كأنى ظللت واقفة طوال تلك السنوات لم أبرح النقطة ذاتها ، أو كنت أدور فى دائرة مغلقة تردنى الى ذات المكان دون أن أدرى انه لم يكن مقدرا لى سواه ولكنه العناد الذى ضللنى أحيانا والاصرار الذى كنت أظنه فضيلة أتحلى بها. وأسأل نفسى هل عدمت الفطنة لأرى ذلك فى وقت أبكر؟ وهل كان نظرى مصوبا للأبعد فلم أرى الأقرب؟ هل سبق طموحى قدرتى؟ أم كانت قدرتى عائقا لى أو لمن حولى فأجهض ذلك الطموح؟
أنظر للمرآة واتحقق من ملامحى أهذه حقا أنا؟ كيف انشغلت عن نفسى فلم أرى هذه الخطوط حول عينى ؟ تحول اندهاشى بما اختبرته فى الحياة فى كل مرة الى خط صغير حتى تكاثرت الخطوط ثم تشبتت وتيبست فى ملامحى حتى فقدت القدرة على الإندهاش فاحتفظت بنظرة الإندهاش الأخيرة كذكرى لحماس فقدته مع تقدم العمر .

لم لم أشعربالزمن وهو يحفرأخاديده حول فمى؟ هل من الإفراط فى الإبتسام أم من الزيادة فى التجهم؟ وجهى كان يفضحنى دائما ولم أفلح أبدا فى صنع قناعا واحدا أدارى خلفه حقيقة مشاعرى المتضاربة من فرح وحزن وارتياح وغضب كرد فعل لما مررت به وما مر بى من أحداث.

درت فى دائرة حسبتها واسعة ولم ادرى أنها هى ذاتها حبل الوريد الذى ولدت به ولم يتم أبدا قطعه ، ظللت أدور به حول نقطة البداية حتى التف تماما حول مطاف حياتى وبدأت الدائرة تضيق عبر السنين حتى يكاد الحبل أن يردنى الى نقطة بداية النهاية . أحس بها وشيكة ولكن لرحمة من ربى أنظر حولى ولا أراها.

و ها أنا أردد مقاطع من قصيدة للشاعر على سلامة " مساحة قلبي"
انا بخير .. و زي الفل و الريحان ..و قلبي اللي كبر فجأة قبل الآوان
لا بيعجز ..ولا بيشيخ .. ولسه طفل زي زمان ..
بطعم الفرح وريحة الأرض ساعة المطر
ورغم إني فى قلب الخطر
انا حاسس بأن الدنيا لسه امان
وإيه كمان ..ولو قربت مني يا حزن ولو فكرت تئذيني ..
منين ما بروح بلاقي حضن قادر لسه يحميني ..
و اقلق ليه...وانا امي اللي كانت لما تدعيلي
تقولي روح .. ربنا ما يحوجك لحد
تعيش حر .. كما العصفور
ولا يدخل في قلبك برد
ولو تفهم ف دمع العين ....كنت عرفت ان الألم ما يكسرنيش
ده بيقربني من روحي
تروح انت .. و روحي تعيش ..
واقلق ليه ..مفيش ف القلب غير غنوه
كلام بيرم وصوت درويش
وعمري ما اتوه في وسط قلوب بعرفها وعرفاني ..
و مهما تضيق ..مساحة قلبي أد الكون
ما دام النسمة وصلاني ..
واقلق ليه ..و انا الخطوة اللي وخداني
تقربني .. ما تبعدنيش ..
" علي سلامة"