الأحد، 17 أكتوبر 2010

الحمد لله انى لم ألد

الحمد لله انى لم ألد

صحيح أن زينة الحياة المال والبنون إلا ان الله أختار لى ألا ألد وأنا هنا أسجل الحمد والشكر له على ذلك.
حين كنت صغيرة كنت أصنع عروسة من القماش وأحشوها قطنا لأعطيها لأختى الصغرى تلهو بها وكان دورى يقتصر على حياكة بعض الملابس للعروسة بعد ذلك.

حين خطبت لم يكن الحديث يتطرق بيننا أبدا مثل كل المقبلين على الزواج لعدد الأولاد الذين ننوى انجابهم أو الأسماء التى سوف نختارها لهم أو حتى اذا كنا نفضلهم أولاد أم بنات. حتى بعد زواجى كنت أدور على الأطباء لا بحثا عن الانجاب حبا فى الإنجاب رغم محبتى المطلقة للأطفال، ولكن لكى ابعد تهمة العقم التى ألمحها ممن حولى بعد شهور قليلة من زواجى. فبعد أن كانت التهمة امنيات مثل (ربنا يراضيك عن قريب أو مفيش حاجة حلوة جاية فى السكة؟) أصبحت تصريحات (ياختى انت ساكتى على روحك ليه متروحى تكشفى؟) ، ثم اتهامات التقصير طبعا من حماتى (نفسى أشيل له ابن قبل ما أموت). وفى دورتى بحثا عن الإنجاب فى عيادات الأطباء ومستشفياتهم لم يكن زوجى يصحبنى أبدا فى البداية بحجة أنه مشغول فى عمله ليل نهار ، ثم بعد ذلك صار يقول لى (أنا مش عارف انتى مستعجلة على ايه ) ، أو (خدى أمك معاكى ما هى اللى بتزن على دماغك). وللحق ان أمى لم تكن هى التى تزن ولكنها أمه!

كنت أظن ان وجود طفل سوف يذيب ما بيننا من اختلافات وخلافات، وآملت أن يجعله يعود للمنزل بدلا من سهر الليالى مع الأصدقاء وأيضا الصديقات كما علمت بعد ذلك. ورغم ارتباطه المرضى بأولاد أخته الا أنه لدهشتى لم يكن مكترثا أن يكن له أطفالا.

ذهبت لكل مشاهير النساء والولادة فى عهدى منهم من كان صادقا فى ان كل شىء - بعد التحاليل والآشعات -عندى طبيعى وما هى الا مسألة وقت. ومنهم من رآنى صيدة وأشار بعمليات نفخ للأنابيب أو كحت للرحم، أو ماشابه. كنت أدفع اتعابها صاغرة من نقودى الخاصة، فهو لم يكن أبدا راضيا عما أفعل بل لم يرافقنى فى أيا من تلك العمليات. حتى أخر عملية وكانت بعد وفاة والدى بأسابيع وكانت أمى ترافقنى وكدت أضيع بسبب خطأ فى التخدير وأفقت على بكاء أمى وهى تصيح بى (حا تموتى نفسك على إيه، يا بنتى اللى ما يغليهوش جلده ما يغليهوش ولده) أى : اذا لم يكن زوجى يحبنى ويريد الاستمرار معى لذاتى فلن يجبره وجود طفل على هذا. وصعبت على أمى وكانت قد فقدت أثنتان من أخواتى فى عمر الشباب واحدة منهما نزفت بعد ولادتها ابنتها حتى الموت، فوعدتها بأنى لن أجرى تلك العمليات مرة أخرى.
وقادتنى الصدفة لأذهب مع احدى صديقاتى لزيارة طبيبتها فى موعد لمتابعة حملها. وأثناء انشغال الممرضة بها فى قياس الضغط وتقدير الوزن سألتنى الطبيبة (هل عندك أولاد؟) وكأن هذا السؤال ينتظرنى دائما وبعد كل تلك السنوات. بالطبع كانت إجابتى لا ، ومع استرسال أسئلتها ومع إجاباتى عما فات خلال سنوات زواجى الخمسة، بادرتنى متسائلة (ازاى مفيش حد طلب تحاليل للزوج؟) ، قلت لها انه رافض تماما مجرد الحديث فى الموضوع. وبتوجيه من الطبيبة وبطريق الاحتيال (ولست هنا فخورة بما فعلت) تمكنت من الحصول على عينة لزوجى وأرسلتها دون علمه للمعمل. قضيت يومان من أطول أيام عمرى قلقة على النتيجة وخائفة من اكتشاف أمرى حنى تسلمتها. وعرفت أن زوجى عقيما! وقال لى طبيب المعمل (يا مدام أكيد زوجك يعلم لأن هذه الحالة نتيجة لمرض أصيب به فى طفوله أو عدوى من مرض أصيب به فى مراهقته). لم يكن ذلك السبب المباشر لطلبى للطلاق ولكن طلبته حين فاض بى من اهماله لى ومن الرائحة التى فاحت لعلاقاته المتعددة والتى كانت أخبارها تصلنى عن عمد عن طريق صديقاته طمعا فيه أو بغير عمد من صديقاتى اللاتى يلاقونه مع أخريات بالصدفة. وهكذا مضت السنوات بى وأنا مطلقة ، وحين تزوجت للمرة الثانية كان الوقت متأخرا ، فقد فقدت القدرة على التبويض مبكرا فى بداية الأربعين من عمرى.

وأعود لأشكر ربى مجددا لنى لم ألد وان لعبت دور الحاضنة فى فترات لأولاد أخوتى الا اننى لم أكن أما لهم . فالحاضنة تنعم بالصحبة والضحك واللعب مع الأولاد ويمكن أن تجلب لهم هدايا لكنها ليست مسئولة عنهم تماما. أحمد الله انى لست أما خاصة فى هذا الزمان . فالمرأة أصبحت فى معظم البيوت هى المعيلة لأطفالها سواء وجد الأب أو انعدم. فهى التى تقوم بكل شىء داخل المنزل وخارجه. ودورها داخل المنزل مفهوم وليس جديدا عليها. أما الجديد فهو ايصال الأولاد للمدرسة ثم للدروس الخاصة ولحضور مجالس الآباء اسما فقط لأن الحضور جمعيا يكن أمهات ، أو لمزاولة النشاط فى النادى أو لشراء الملابس والأحذية سوءا كانت تملك سيارة أم تستخدم المواصلات وطبعا تتحمل هى تكاليفها.
أحمد الله انه جنب عيونى الحول والذى تصاب به الأمهات من كثرة وضع عيونهن فى وسط رؤوسهن لمراقبة البنت وهى غرفة نومها تتحدث على الموبايل - والذى يدفعن كروته من لحم الحى - أو تدخل هى غرف الآخرين عن طريق الشات على الإنترنت. أو لملاحظة أى تغير على الولد من روائح غريبة (كالتدخين) أو تصرفات أغرب (كالإدمان). والمداراة عن الأب حين يعود متأخرا أو للتحجيز بينهم حين يعلم الأب ويقرر صفعه أو طرده من المنزل وتشخط (غور من وشه الساعة دى) ولا تعلم هل تقصد الفتى أم أباه؟
أحمد الله انى لم ألد بنتا ولا ولدا أربيهما على الغالى فى بيتى حتى يكبرا ويغادراه الى بيت أغلى أقوم بتأثيثه ودفع تكاليف الفرح اذا اردت أن افرح بهما وتضيع مدخراتى التى جمعتها بشقاء السنين أو أضطر للإقتراض بضمان المعاش فلا أجد فى الهرم ما يأوى. أحمد الله انى لن أرى ابنى الغالى وهو يلفع طفله بيد وشنطة الطفل باليد الأخرى بعد أن ظللت أحمل عنه شنطة كتبه حتى لا ينعوج ظهره حتى خط شنبه فى وجهه. أو أرى بنتى الحيلة وهى تدور بين التنظيف والغسيل الخ.. الخ وبطنها أمامها حامل فى آخر شهر، وهى التى لم تكن ترفع الياسمينة من على الأرض.

أحمد الله كثيرا وأنا أرى امهات مرضى يرقدن بلا حول فى حراسة الممرضات وليس برعاية الأبناء. أحمد الله أكثر وأنا أرى عدد دور المسنين يتضاعف وفيها يلقون بهم فى غرف عارية من الذكريات و باردة تمهيدا لبرودة أطول ستجىء عاجلا أم آجلا.
ليس أصعب من موت من كانت تدعوا لك. وأحمد الله على انى لن أترك من يحزن على فراقى أو على قلة ما سأترك له. وانا لا أريد عزاءا بل تقتصر المراسم على الصلاة ، وأحمد الله وأدعوه أن يلهم بعض أبناء العائلة حضور جنازتى وإلا سيحملنى البواب وأبنائه أوصبية الحانوتى أو عابرى السبيل فلن يستطع زوجى أو ما تبقى من اخوتى أن يحملوننى بمفردهم.

الحمد لك يا رب فلقد خلقتنى لما يسرته لى وأنت أعلم بى من نفسى، اللهم فأحسن خاتمتى ويسرها لى.

ليست هناك تعليقات: