حاملات المفاتيح المعلقة واقصد بهن بناتنا . كل بنت -لأنه كان من النادر أن يكون صبى- كل بنت ولدت فى فترة الثمانينات لأم تعمل. فالبنت تجد نفسها مسؤولة – حتى لو لم تكن الكبرى - عن اخوتها الأصغر أو الأكبر. والمسئولية هنا تنحصر فى وجود مفتاح المنزل مربوطا فى سلسلة حول عنقها خشية أن يسقط أو تضيعه ودون اعتبار لما ستتركه هذا السلسلة من تجريح فى أسفل عنقها فهى بالطبع معدنية خشنة. وتمتد المسئولية لتشمل انتظار أخوتها أمام باب المنزل ان لم يكونوا معها فى نفس المدرسة حتى تأخذهم من الباص الى الشقة لتفتحها وتدخلهم . ويمتد أيضا لإعداد وجبة سريعة من السندوتشات فى حالة أن كانوا جوعى هى واخوتها حتى تحضر الأم من عملها. ثم بعد أن تكبر قليلا ويمكن الاعتماد عليها. تتولى مهمة عمل الأرز وتقطيع السلطة أو حتى ترتيب المنزل وتسخين الطعام حتى يجتمع شمل العائلة على الغداء. قالت لى ابنة أخى أنها كانت تطمئن على وجود السلسلة حول عنقها كل ساعة وتخاف ضياع المفتاح والا فسيبقون فى مدخل العمارة يجلسون على السلالم فى عز البرد أو الحر حتى تعود الأم ثم تتلقى هى وعدها من أمها على اهمالها. وقالت ابنة أختى انها كانت تغتاظ من أخيها لتذمره الدائم لما تعده له من طعام حتى تعود أمها ، ومن أنه كان ينتظر حتى تفرغ من ترتيب المنزل ليعيد لخبطته من جديد حتى تعاقبها أمها حين تعود وطبعا لا تصدق أبدا ان أخاها الصغير البرىء هو السبب.
حاملات المفاتيح أعلن العصيان على العمل. كلهن تزوجن وأكثرهن لا يعمل . ومن تعمل تظل فى عملها حتى الانجاب فقط. لم تعد فكرة وجود (كارير) أو مهنة عمل يتخصصن فيها ويبرعن تستهويهن. فعمل الأم سلبنهن طفولتهن ولا يردن لأطفالهن أن يمروا بما مروا هن به. تذكر( ليلى) – احدى بنات العائلة - أن حرارتها كانت مرتفعة للغاية حين عادت للمنزل وكانت تتوق للذهاب الى الفراش ولكنها لم تسطع لأن كان عليها أن تنتظر باص أخيها فى الشارع والذى تأخر أكثر من ساعة وهى تنتظره فى الهواء البارد لترقد بعدها أياما مصابة بالتهاب رئوى. تذكر أيضا كيف كانت أمها -والتى كانت تعمل فى أحد البنوك- تطلب منها أن تساعدها فى الويك اند قى كشوف الحسابات خاصة فى نهاية كل شهر للبحث عن خطأ ما وتضيع الأجازة دون فسحة أو خروج. تذكر (مها) كيف أنها حرقت الأرز وهى فى الرابعة عشرة وان أمها انفجرت فيها صائحة" دلوقت أبوكى على وصول وتلاقيه عاوز يتغذى قبل ما يقيل وطبعا لو ما لقاش رز حا يسود عيشتى بكلامه على انى لازم أستقيل من الشغل واتفرغ للبيت وتضيع على العلاوات والترقيات وكمان المعاش، مبسوطة". وطبعا لم تكن (مها) مبسوطة بأمها المدرسة والتى تفاخر بتربية الأجيال ثم تستعين بمدرسين آخرين لها ولأخوتها "فكفاية عليها شقى طول النهار مع ولاد الناس العفاريت". كثيرة هى ذكرياتهن البريئة الحزينة حين يتأخر بابا وماما حتى المساء وينقطع النور، أو يحدث أى طارىء فى المنزل، كأن تحترق أصابعهن من لسعة حلة تغلى، أو أن يلعب أخ صغير بالكبريت ليحدث حريقا صغيرا فيهرع الولاد للطرق على أبواب الجيران للاستعانة بهم فلم يكن هناك موبايل كأيامنا هذه، أو يدق عليهم الباب أى غريب ليتذكروا التحذير الشديد اللهجة بالا يفتحوا الباب خوفا أن يخطفوا.
حاملات المفاتيح اشتركن جميعا فى حب الأب وميلهن اليه ليس فقط لأنهن بنات ولكن لأن الأب هو الوحيد الذى كان يقدر لهن الاضطلاع بتلك المسئولية . وأيضا اتفقن فى عدم ميلهن للأم والتى دائما تعبانة ومرهقة ولا تجد وقتا للحديث والفضفضةمعهن خاصة فى سنوات المراهقة " يوه بطلى رغى بقى أنا دماغى مصدعة".
حاملات المفاتيح لم يتحمسن للعمل بعد الزواج. " أمال أنا اتجوزت ليه ، مش علشان يصرف هو على البيت" أو " أنا ماليش دعوة بالبيت دى مسئوليته اطبخى ياجارية كلف يا سيد" هل هى عودة لزمن الجوارى. أم اننا لم نفهم الدنيا صح مثلهن. " وعلى ايه البهدلة فى المواصلات ووجع الدماغ فى الشغل يعنى فى الآخر حأبقى ايه وزيرة!" أو " ما ادينى قاعدة فى البيت معززة مكرمة واللى أنا عاوزاه بيجينى لحد عندى". هل لم نكرم نحن أنفسنا حين أصررنا على العمل؟
حاملات المفاتيح يتفرغن فى الصباح بعد انتهاء عمل المنزل بمساعدة الشغالة على الأقل مرة فى الأسبوع ، فى الرغى مع صديقاتهن فى التليفون أو على الشات أو الفرجة على التليفزيون . وفى المساء لاصطحاب الأولاد للنادى لمزاولة الأنشطة – التى حرمن هن منها لعدم تفرغ الأم أو لإنشغال الأب فى عمله - ثم العودة للمنزل للمذاكرة للأولاد بأنفسهن. حاملات المفاتيح يشكن لطوب الأرض من الزوج المتعب دائما ، والذى ليس لديه وقت للجلوس معهن بعد أن يأوى الأولاد للفراش، أو الذى يلقى بكامل مسئولية الأولاد عليهن ولا يشارك الا بتوريد النقود المطلوبة ثم معاتبهن على التبذير والاسراف فى زمن صار تدبير ميزانية المنزل ، دون اللجوء للجد أو الجدة أو حتى التصرف فى بعض المشغولات الذهبية حين الآضطرار، دربا من المستحيل.
حاملات المفاتيح هن سيدات الزمن الحالى يواصلن تحمل المسئولية باقتدار . المسئولية التى غرست فيهن رغما عنهن فى الصغر وهى تربية الأولاد. فهل نملك أن نلومهن؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق