الجمعة، 10 يوليو 2009

نور القمر

مهيتاب ( القمر) او على الأدق (نور القمر) صديقتى الآتية من بعيد ، من بلاد الفرس . مهيتاب اسم على مسمى فضوء القمر ينبعث دائما من وجهها ليضيئه. وكما للقمر أياما يسطع فيها فى وسط الشهر وأياما يظلم فيها فى أوله وآخره..... تستطيع بمجرد نظرة لوجهها أن تعرف مدى سطوع أو أفول أيامها. فوجهها يعكس كل ماتمر به كالمرآة الصافية. ماهيتاب صديقتى والتى تفضل ان أقدمها للأخرين بهذه التسمية على أن أقول جارتى. وكنت أظن أن الجارللقرب أقرب من الصديق فى النسب لكنها لم توافقنى أبدا فى هذا الرأى. نور القمر والتى تغمر بنورها أى مكان تذهب اليه لتضيئه ليس فقط لجمال وجهها ولكن لعيونها الذكية والتى تفهم باللمحة وليس بالكلام ، لعقلها الراجح اذا احتاج منها أنسان سواء كان أنا أو غيرى مشورة، واليد الممتدة بالخير دائما اذا اردت منها خدمة أو طلب. نور القمر ذات الفضول الواسع والتى لا تمل السؤال وتلح فيه طلبا فى المعرفة ، الأم الفائقة الحنان التى تعيش مع أولادها حياتهم لحظة بلحظة ، والبنت الرؤوم التى تشتاق لحنان اخوتها وحضن والديها. تحكى عن جمال بلادها وخضارها الدئم والثلوج فوق قمة جبالها والتى رأيتها بنفسى لليلة واحدة أمضيتها فى عاصمتها. تحكى مشتاقة عن أنواع الفاكهة والخضار وطعمها الذى ما زالت تحسه وتستشعر الفرق بين هنا وهناك.

مهيتاب الشيعية أتت من بلادها البعيدة لتقيم فى مصر بعد زواجها من مصرى سنى ولم نتناول أبدا على مدى الأعوام الكثيرة لصداقتنا فى نقاشنا الفرق أو الاختلاف بين السنة والشيعة. بل تصادقنا دون ضجيج تلك الاختلافات. والحقيقة انها لم تأتى مباشرة من بلاد الفرس الى مصر ولكن كان هناك محطة للانتظار فى السعودية وأيضا كانت هناك .... محطة اللقاء بينها وبين زوجها. زوجها يعمل فى أحد المؤسسات السعودية والتى لها علاقة بالجمهور حيث التقى بها وهى المرافقة التى تنظم لمجاميع الحجاج الايرانيين رحلات الحج والعمرة. وبعد عدة رحلات ولقاءات نما الحب بينهما . فهى صاحبة العشرين وذات الوجه الشيرازى والأصل الفارسى تلتقى بالمصرى فى السعودية على المحبة دون موعد بينهما انما بتدبير ربانى.

حين عادت لأهلها من احد رحلاتها وأخبرتهم عنه تم الرفض البات لمشروع الزواج والذى سيتبعه حتما غربة وهذا ما خشوا عليها منه . لكنها لم تيأس ولم تكرر طلبها انما أعلنت انها ببساطة لن تتزوج. كان الخطاب على عادة أهلها يرسلون بأمهاتهم يطرقن أبواب الأقارب بحثا عن عروس مناسبة. وللزيارات فى بلادها طقوس جميلة ومنها أن يجتمع الجميع حول الضيفة يرحبن بها ويعرضن ما يجود به المنزل من أطايب أمام الضيوف فى سفرة مفتوحة دائمة بصرف النظر عن هدف الزيارة. الا هى لا ترحب بأحد ، ولا تجلس مع أحد فتنتقل الرسالة للضيوف والأهل. حتى أبدى أهلها بعد يأس استعدادهم للقاء المصرى المحظوظ ويتم الزواج فى طهران بها دون أهل له و ليطير المصرى بعروسه الى حيث يعمل.

أول المفاجآت أو لنقل الصدمات لها كان السكن المشترك مع عائلة زميل آخر لزوجها وهى التى اعتادت السكن الفسيح فى منزل له حديقة يزرعون فيها كل ما يحتاجه المنزل من خضرة وورود. ولم تدع هذا يشغلها كثيرا حتى أتت الابنة الكبرى وهى صابرة ومحتملة كل مشاكل السكنى المشتركة وحلمها أن تستقل هى وزجها بسكن آخر مناسب.

لا أدرى كيف تعلمت أن تتكلم العربية بمفردهاو دون مساعدة أحد حتى زوجها القليل التواجد فى المنزل بحكم عمله لفترتين فى اليوم والذى كان يتعامل معها بالانجليزية منذ لقائهما، بل صارت تقرأ بها أيضا وتفهمها مثل أهلها وجائز أن تشابه الحروف فى الكتابة ساعدها. وحين أسألها تشير الى التلفزيون وتقول "من المسلسلات والأفلام المصرية"! تتكلم العامية المصرية كأهلها الا أن المذكر والمؤنث فى كلامها واحد ومن الجائز انهاتفعل ذلك عن عمد فالولد والبنت عندها سواسية وهكذا ربت أولادها ، أضحك كثيراحين تقول لى "أنا بقيت بلدية" وهى تقصد أنها أصبحت بنت بلد! صديقتى لديها شطارة التجار الفرس فى اقامتها بالسعودية تشترى وتبيع فى البازارات للسيدات لتزيد من دخل الأسرة حين زاد العدد بتوأم ( أمير وأميرة) ولتتمكن أخيرا من تحقيق حلمها والحصول على مسكن مستقل. لا أعلم كيف استطاعت أن تربى توأما وطفلة ثالثة - كما البدر فى تمامه - ولا تكبرهما سوى بسنوات قليلة بمفردها وبعيدا عن عائلتها دون معونة من أحد ، وأيضا تجد الوقت لتشبع هواياتها الكثيرة فى الرسم والخياطة الراقية . صديقتى أيضا ماهرة فى تصفيف الشعر وصبغه ولا أمهر كوافير ، ولم أعد اذكر لون شعرها الأصلى من كثرة ما تناولته بالألوان ولم لا فهى الفنانة التى تحاول أن تبهج أيامها بالألوان.

صديقتى جاءت بأولادها لتقيم فى القاهرة حين كبر الأولاد للالتحاق بالمدارس المصرية وتمهيدا للإلتحاق بالجامعة المصرية بعد ذلك فالمصريون فى السعودية لا يلتحقون بالجامعات السعودية الا نادرا و بشروط متعسفة. وكعادتها استطاعت أن تؤسس منزلا جديدا للأسرتها الصغيرة بمفردها ، بل وايضا تبحث لأولادها عن أماكن فى المدارس القريبة من المنزل رغم صعوبة ذلك عليها ودون معاونة من أحد خاصة من أهل زوجها. واستقرت الأسرة فى القاهرة دون عائلها والذى بقى هناك فى السعودية بمفرده.

عدد الصدمات التى تلقتها هنا بمفردها مع أولادها كثيرة ، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: دخول رمضان عليهم دون مشاركة من أسرة الزوج ولو بافطار فى أول يوم حتى لو كانت هى الداعية لهذا الافطار بل انهم حتى لا يكلفون خاطرهم بالاعتذار. وأعياد ميلاد الأولاد والأعياد ومناسبات النجاح فى الشهادات . ولا أدرى سر موقفهم السلبى منها والذى قد أعذرهم عليه ، ولكن ما لايغتفر لهم هو موقفهم من أولادها. لم يحس اي من ثلاثتهم بوجود العائلة الكبيرة الا فى زياراتهم لأهل الأم وبالرغم منندرة تلك الزيارات . والغريب أن أرجلهم تدب فى المنزل فى أجازات الزوج وفى حضوره فقط وبعد رحيله يسود الصمت بينها وبينهم مرة أخرى. وكان يهون عليها فى اقامتها بالسعودية أن هناك جالية لجنسيتها كبيرة ، كانت تسعد بلقائهم والتحدث بلغتها الأم معهم والتى أوشكت أن تنسى مفرداتها بعد انتقالها للقاهرة لولا المكالمات التليفونية القليلة لأهلها. أما هنا فلايوجد لديها سوى عدد قليل من الصديقات يزرنها فى أوقات متباعدة فالكل مشغول أو متشاغل. وهى تلزم البيت معظم الوقت ونادرا ما تخرج الا لمصلحة تقضيها للعائلة. لم أرها قط فى ملابس النوم فهى دائما فى أتم هيئة وأبهى زينة دون تبرج ، وكأنها فى انتظار الخروج فى موعد لن يأت أبدا. تقرأ فى نهم وتستعين بالقراءة لجلب النوم و القضاء على الأرق والقلق. فى عينيها فضول القطة حين تسأل عما تجهله وشراسة النمرة حين تزود عن صغارها.

كم من السنوات مر بها وهى بعيدة دون ز يارة لأهلها لعدم قدرتها على تدبير ثمن التذاكر لها ولأولادها رغم تأكدها من أنها لو فقط ألمحت فسوف ير سل لها أهلها كل التكاليف. وأيضا لعدم استطاعة أهلها الحصول على تأشيرة لزيارتها هنا، الا مرة واحدة أتاها أباها للزيارة بعد وساطة كبيرة وقبل أن تسوء العلاقات السياسية. كانت تظن أن أهل زوجها سوف يدعونه ولو مرة للآحتفاء به فى الشهرين الذى أمضاه معها هنا ، أو حتى يأتونها للسلام عليه والتعرف به ولصدمتها أيضا هذا لم يحدث. صارت توارى احراجها أمام أبيها وتسألنى فى صدق "هى دى عاداتكم فى مصر" لأهز لها رأسى نفيا وخجلا من النطق بالكلمات.

اعتادت السهر طول الليل تحرس أولادها ولا تنام الا بعد أن يذهبوا ال مدارسهم حتى تلخبطت ساعتها البيولوجية وأصبحت لا تنام الا سويعات بالنهار. كنت أراها تنهر أولادها اذا ما تأخر أحدهم فى الخارج لبعد التاسعة الولد قبل البنات. وحين أتدخل قائلة" حرام عليكى بحبحيها شوية عليهم خلليها لحد 10 حتى داحنا فى صيف وأجازة" تجيبنى قائلة " ما أقدرش، أنا المسئولة عنهم لوحدى هنا ومش عاوزة أسمع كلمة بايخة من أى حد".

وشهادة للحق، تفحت زهراتها الثلات عن أبناء يشرحن القلب قلبا وقالبا. تهافت العرسان على البنتين لتتزوج واحدة وتخطب الأخرى بينما الزهرة الثالثة (ولدها) التحق للعمل بنجاح فى أحد البنوك.

مهيتاب أو نور القمر عاد زوجها منذ عام للإستقرار فى مصر بعد استقالته من عمله . ومنذ ذلك الوقت وونور القمر شاحبة الوجه وحزينة، فالحياة بينهما ليست تلك الحياة التى حلمت بها و انتظرتها طويلا . فهذا ليس زوجها الذى أحبته وتركت بلدها وأهلها ليس فقط من أجله ولكن من أجل حبهما معا. فأين ذهب ذلك الحب؟ وكأن السنين أخذت منها حبيبها بعيدا لتبدله وترسل لها زوجا. فلا الأبناء تربطهم به صلة ولا هو يعوضهم عن بعده الطويل. فهورغم طيبته دائم التجهم ، كثير الانتقاد وقليل الرضا و لا يعجبه العجب. وهى تحاول أن ترضيه وتلعب دور حمامة السلام بينه وبين الأولاد حتى لا تقوم حريقة فى المنزل. نور القمر تعبت وانطفأ البهاء من وجهها و زادها الحزن عمرا على عمرها.

نور القمر قالت لى" الحياة بالنسبة لى ليست المعيشة فى ظل رجل يطعمنى ويسقينى فقط "! صديقتى تترقب زواج البنت الثانية بفارغ صبر. وأيضا تطمئن على مستقبل ولدها . وددت لو أعرف سر شرودها الدائم! وما ذا يختبىء فى عقلها وخلف دموعها التى تحبسها ولكنها رغما عنها تظهر فى نبرات صوتها! . هل فقدت قدرتها على امتصاص الصدمات؟ هل حنينها الى أهلها عائد لحالة الخواء العاطفى الذى تمر به منذ عودة زوجها؟هل تفكر فى الرحيل والعودة الى أهلها ، شاطىء الآمان بالنسبة لها ؟

قلبى معها وأملى أن يعود القمر ليشرق بنوره مرة أخرى فى وجهها. وجه نور القمر - صديقتى -التى وان اتفقنا أو اختلفنا - أحبها!

هناك تعليقان (2):

Emma يقول...

I like it very much :)))

Magy Khalil يقول...

I am glad you did. How about mum?