الاثنين، 20 يوليو 2009

صغيرا يلعب فوق الثلج

كشهاب يلمع ضوءه فى السماء بعيدا ليسقط فجأه فيخبو الضياء..... كسراج وهاج ينيرحياتنا باتساماته وتظلم الدنيا اذا ما غابت الابتسامة... كموجة دفء فى أيام شتوية يتسلل بهدوءه وصبره يحل لنا مشاكلنا وتتجمد لقاءات الأسرة حين يغيب.....كتب عنه والده فى مذكراته التى تركها للعائلة "ولد لى فى 22 ديسمبر من عام (...) طفلا جميلا سعدت به جدا فقد جاءا صبيا بعد ثلاث بنات. أستيقظ فى الفجر على صوته الجميل وهو يناغى."

كبر الطفل والتحق بمدرسة الفرير أو الرهبان وحين لم يظهر براعة فى دراسة الفرنسية بها ينقله والده وهو فى العاشرة الى مدرسة أخرى حكومية وينتقل من عام الى آخر حتى ينهى الثانوية ويظهر رغبة أن يلتحق بكلية الطيران ورغم صعوبة الاختبارات ينجح ويبدأ الدراسة بها فى بلبيس بعيدا عن أسرته بالقاهرة. تذهب الأسرة لرؤيته كل جمعة فى فترة ال45 يوما الأولى أو (شهر ونصف الحبس) كما يسمونها الطلبة بها ..تذهب الأسرة محملة بأطايب الطعام المحروم منه هناك. فى أحد التدريبات يكاد يهوى بالطائرة لخطأ فى استعمال الآلات وينقذه من السقوط مدربه والذى يقيده راسبا فى الطيران ويترك الطيران الى كلية التربية الرياضية بالأسكندرية فى العام الأول، ثم يعود لحضن الأسرة بالقاهرة بعد سنتان من الاغتراب . يتخرج ليلتحق بالجيش يمضى به من الأعوام أكثر من مدة تجنيده كضابط احتياط حتى قامت حرب 1973 ليتم تسريحه وهو يقترب من الثلاثون دون عمل.

حين ينوى خطبة ابنة الجيران يقرر السفر سعيا وراء الرزق بالعمل كمدرب للكرة الطائرة فى احد المدن الشمالية الشرقية للمملكة السعودية. وعاما وراء عام يمضى به العمرهناك.... تزوج وأنجب البنت ثم الولد يقيم بمفرده لأكثر من 10 سنوات. بعد أن سبقته زوجته بولديها للإلتحاق بالمدارس فى الوطن. حتى اتخذ قراره بالعودة والاستقرار فى مصر بعد أن تعدى الأربعين . شارك أخاه العمل بالتجارة فى المحلات التى كانت مغلقة لوفاة الوالد، و بعد تغيير النشاط التجارى بما يتناسب ودراسة الأخ الأكبر المهندس الذى استقال من عمله الحكومى ليجرب حظه فى استيراد المعدات والآلات من الصين بعد الانفتاح.

لم تكن التجارة غريبة علي الأسرة. فالأب رحمه الله كان تاجرا له ثلاث محلات بوسط القاهرة تدرب فيها كل اخوتها فى أثناء العطلات الصيفية. تذكر كيف كانت تصحب أخاها وهى صغيرة فى وردية بعد الظهر لأحد المحلات تعاونه فى البيع كنوع من النزهة لها. وبعد أن يغلقا المحل فى منتصف الليل أو قبلها بقليل يصحبها فى جولة على الأقدام فى شوارع وسط البلد ينصتان للهدوء بعد يوم صاخب، يأخذان سندوتشات الشاورمة من المحل المقابل لسينما مترو فى شارع سليمان باشا يأكلانها فى تلذذ و يتمشيان حتى نهاية الشارع ثم يخترقان الميدان فى اتجاه باب اللوق حيث محل العصير المشهور هناك ليتناولان عصير المانجو الطازج، ثم يهرعا لاستقلال الترام الأخير أو الأتوبيس أيهما تواجد من ميدان باب اللوق عائدين للمنزل.

أحبت نزهاتها الليلية معه فى شوارع وسط البلد بعد أن تغتسل من صخبها ويقل بها المارة والسيارات، وأحبت متعة الفرجة على المبانى العريقة بها وأحبت استنشاق عبق الشوارع المختلط ببخار المياه فيمنح الجو رائحة خاصة والتى تنفرد بها شوارع وسط المدينة قبل أن يشوبها التلوث كما هو الآن. صارت تحفظ خريطة شوارع وسط الدينة فى هذا المربع عن ظهر قلب: شراع فؤاد ، سليمان باشا، عماد الدين، شارع شريف ، قصر النيل ، عدلى وعبد الخالق ثروت وهى ما زالت صبية لم تتجاوز الثانية عشرة وأخاها كان يكبرها بأربعة أعوام فقط. كانت الدنيا آمنة فى هذا الوقت لدرجة أن يترك الأهل صبى وطفلة يعودان بمفردهما فى هذا الوقت المتأخر وباستخدام المواصلات العامة. صارت قائدة ومرجعا لصديقاتها فى جولاتهن للشراء قبل الأعياد بعد أن كبرت ...تخرج بمفردها معهن. ولما لا فهى تحفظ كظهر يدها أسماء المحلات وأماكنها بشوراع وسط البلد بل وأيضا تعرف أرقام الأتوبيسات التى يستقلونها فى ذهابهن وعودتهن

كان أخاها هو رفيقها وحارسها فى العودة من منزل زميلة لها بعد الدرس فى الثانوية العامة أو بعد انتها ء المسرح حين اشتركت وهى طالبة بالغناء فى مجاميع الكورال فى المسرحيات الغنائية بنائا على ترشيح من اساتذتها أثناء دراستها بأحد المعاهد الفنية. وكانا أيضا يغتنمان الفرصة ليقوما بنفس جولة صباهم القديمة فى وسط المدينة وبنفس التسلسل.

فى السادسة والأربعين دخل المستشفى لجراحة بسيطة وكان من البديهى أن يجرى بعض التحاليل قبل العملية ليفاجأ باصابته بفيروس (سى) ، كيف؟ وهو الرياضى والذى كان يجرى تحليلا سنويا اجباريا لضمان استمرار تعاقده فى السعودية.؟ لا أحد يدرى؟ جاء تدهور الحالة سريعا فى وقت لم يكن نقل فص للكبد معروفا... تذكر حين أصابته أول غيبوبة كبدية!... كيف كان يتصرف تصرفات عشوائية كأن يبحث عن حذائه فوق الدولاب مثلا. وكانت تلك المرة الأولى التى تتعرف فيها على ذلك المسمى ، كانت تظن أن السكر فقط هو الذى يسبب الغيبوبة. شهور لم تتجاوز العام وهو ينتقلون به بين المنزل والمستشفى، من معهد ناصر الى مستشفى بدرواى الى السلام ، مرورا بالمقاولون العرب وانتهاءا بالفرنساوى. وحين أتى الخبير الألمانى الشهير الى مصراصطحبه أخاهما الأكبر فى سيارة الاسعاف ليراه الخبير ويتعجب من ان الكبد يحتاج 20 عاما ليصل الى ما وصل اليه كبده من تليف ...ويقرر بأنه لا أمل فيه فى الشفاء.

تناوب أفراد الأسرة ملازمته لشهور خاصة بعد أن ضعف كثيرا وصار لا يقوى على الحركة بمفرده. ثلاث أيام متتابعة تصرعلى أن تأخذ الوردية الليلية واحساس قوى ينتابها بأنها الأيام الأخيرة. . نفس العلامات التى شاهدتها من قبل من أختها ووالدها ووالدتها ...تلك الليالى الثلاث تركت المشيب يدب سريعا فى شعرها. ....عرفت فيها لأول مرة وشاهدت عن قرب ماذا تعنى الهلاوس البصرية والسمعية. يذهب فى غيبوبة وتظنه نائما ثم يستيقظ ضاحكا: "ماما بتسلم عليكى" وكانت أمنا قد رحلت منذ سنوات كثيرة!" أو يقول "مدى ايدك الناظر عبد السلام يمد يده للسلام عليكى" والناظر هذا كان مدرسا لوالدها فى بلدتهم التى انحدر منها الوالد بريف الدلتا وكان يزورهم كثيرا فى القاهرة وهو صغار ، لكنه أيضا رحل قبل والدهم بكثير. أو يقول: " أريت من يقف فى الركن؟ انه الشيطان " ثم يشير الى ركن فى الجدار تنظر الى حيث يشير وترد عليه قائلة : " لا أرى شيئا" ....يؤكد لها " ازاى أهو وحواليه نور أحمر" ويمد يده عبثا باحثا عن شىء ليقذفه به حتى يفر من أمامه . تسأل نفسها :" أهذه فتنة الموت"! يا رب قه منها!

تذهب لعملها فى الصباح كما اعتادت ثم للمنزل لتغيير ملابسها وتعود مسرعة قبل الغروب وقبل أن تتركه زوجته لتذهب لولديها فى منزلهم و لتتسلم هى ورديتها. ثلاث ليال ظل يتكلم بشكل متواصل لا تفهم جيدا ما يقول لأنه لم يكن يتحدث معها بل مع أناس لا تراهم ولكنهم يتراؤون فقط له..... حتى ضاع صوته تماما. مرة واحدة أفاق وطلب ورقة وقلم ليكتب ما عليه من نقود وما لديه من أمانات وأشياء يرجوها أن تذكر بها ولده الناجح فى الثانوية (رغبات يجب أن يسجلها فى استمارة الالتحاق بالجامعة) ثم يعطيها نظارته الطبية ويقول لها "خليها معاك.. أنا مش محتاجها خلاص" ، وحين قامت لتأخذها أخذ رأسها بين يديه وقبلها وقال لها: "سامحينى على تعبك معايا" جاهدت نفسها كما كانت تفعل أمامه دائما حتى لا تنهار باكية ... ثم يأخذ يديها ويشد عليها كأنه يريدها أن تعاهده وينطق اسم ولديه (رانيا... أحمد) وترد بصدق: "فى عينيه" ...وكان هذا آخر عهده بالكلام مع البشر.

تذكر آخر ساعاته بدقة، تفاصيلها محفورة فى الذاكرة رغم اقترابها من أرذل العمر وما يصاحبه من ضعف فى الذاكرة. كانت تنام على كرسى تلصقه بسريره و تضع يدها فى يده حتى اذا غفوت رغماعنها وأراد شيئا أو تحرك أحست به فهى تخاف أن يحاول النهوض من سريره ليسقط ويؤذى نفسه كما حدث من قبل.... يأتى الطبيب تقف منتبهة تراقبه يحاول العثور على وريد ليعطيه العلاج فلا يستجيب الجسد ...يستأذنها فى نقله للرعاية المركزة ، يسقط قلبها : "أهذه هى البشارة" . ....تطلب أخاها الأكبر فى التليفون والذى يقول لها: " دعيهم يفعلون ما هو فى صالحه ، وعلشان نبقى عملنا كل اللى علينا" . يأخذونه منها ... هو فاقد الوعى وهى مخلوعة القلب عند منتصف الليل ، وينصحها الطبيب بأن تعود للمنزل. "كيف أتركه بمفرده؟ "...."لم يتركنى أبدا بمفردى خاصة بعد طلاقى" ... تهمس لنفسها. تذكر كيف وبخ زوجها حين ضربها وقال له: "مرة ثانية تمد ايدك عليها حاكسرها لك"... كان يحميها دائما ورغما عنها الآن لا تملك أن تحميه... ومن من تحميه من ملك الموت... يا الله كن فى عونه وعونى.. تمشى على أطراف أصابعها والجميع نيام، تدخل الغرفة الجماعية للرعاية تبحث عنه وتجده .. تجلس على الأرض بجواره ممسكة يده تقرأ له من مصحفها الصغير على الضوء الخافت الآتى من الممرسورة الكهف المحببة اليه، ثم تقرر فى شجاعة -تعجبت هى نفسها لها- أن تتلو عليه الشهادة وتلقنه اياها، فقد رأته يغرغر.... لا حول له ولا قوة... يتفصد عرقا وتغرب نظراته.... أفديك أخى.... أحانت حقا لحظة الوداع....يلمحها الطبيب فى رحلاتها المكوكية بين الغرفة فى الدور الخامس تذهب للصلاة والدعاء له ثم تعود للدور الأرضى لتطمئن عليه كالممسوسة تهرع فى رعب الطرقات المخيفة وهى ممزقة الفؤاد ومرورا بممرات شبه مظلمة ترتقى وتهبط السلالم خوفا أن يراها أحد اذ استعملت المصعد فيمنعها من الدخول اليه بلطف ، وحين تتردد يقول لها "أهو زوجك" ...تجيبه : " لا أخى".. فيقول:" دعيه يرحل بهدوء ولا تعذبيه بوجودك الى جواره". تجرى كالمجنونة عائدة الى غرفته الأساسية وكان الفجر على وشك البزوغ فى أطول ليلة عاشتها وأقساها. تطلب أخاها الأصغر فى التليفون والذى ما أن سمع صوتها حتى قال" ايه خلاص؟"، أجابت فى ألم: "تقريبا... تعال أنا مش عارفة أعمل ايه؟" لم تكن تلك المرة الأولى التى تواجه معالم الموت فقد واجهته مع أختيها وأباها وأمها وكل مرة كانت فى مرحلة عمرية مختلفة. ولكن هذه المرة كانت أشدهم ألما. جاء أخاهما الأصغر يلقنه ويمسح وجهه بالمياه ثم يغلق عينيه ويلثمه... وانا لله ..وانا اليه راجعون" ...فقد غادرنا الى الأبد وصعدت الروح الى ربها سامعة طائعة وملبية النداء.... ذهب المختار الذى يكبرها بأربعة أعوام فقط وحده فى أول رحلة له لا ترافقه فيها....هو القريب الى قلبها، الشديد الطيبة والحنان.....يأخذها مع عائلته فى كل نزهة أو سفرة يقومون بها... غنائهما بصحبة أسرته للليلة الكبيرة وصور الاذاعية الغنائية طوال الطريق .يحدثها كل صباح فى عملها ليطمئن عليها ويرجوها أن تمر للغذاء معهم فهى تقيم بمفردها فى المنزل الكبيربعد طلاقها..مروره عليها الشبه يومى فى طريق عودته لمنزله ودائما يحمل اليها شيئا.. فاكهة أو حلوى أو مجلات أو حتى خبزا طازجا . اصطحابه لأولاد أخته المتوفاة مع أولادهم للمدرسة مع أولاده مرتين فى اليوم، هو الملجأ المصرفى اذا أرادت نقود طارئة تقترض منه ثم تسدد ما عليها رغم اعتراضه... رفيق صباها وطفولتها ومحرمها فى احدى رحلات الحج . هذا هو المختاراختير لينسحب من الحياة. اختار أن يكون طيارا ولم يحقق حلمه و يطير الآن محلقا بعيدا ودون أيضا تحقيق الحلم باكمال المسيرة مع أبنائه.

بكته كثيرا، كل صباح تفيق فى سريرها بعد نوم جاء متقطعا وبصعوبة على واقع مغادرته لدنيانا فيعصر الألم فؤادها. حتى ذهبت لأداء العمرة له. وتجزم - ومن الجائز أن لا يصدقها أحد - أنها فى ذلك اليوم رأته مرتين: بالنهار يترجل محرما بثياب بيضاء ساعيا بين الصفا والمروة يواجهها مهرولا فى الطريق المعاكس لها ، ويبتسم لها وحين تتابعه بعينيها يختفى، والمرة الأخرى فى الليل، فى نفس الليلةفى منامها.... تراه مطلا من أحد نوافذ قصر بعيد عالى يكاد يلمس السحاب وهى تقف حائرة لا تعرف كيف تصل اليه!. وتسمع صوت يجاورها لا تدرى من صاحبه يقول لها أنه غاضب منها لأنها كثيرة البكاء عليه، فتجيب: " بس لو أعرف انه ارتاح من الألم ومبسوط هناك .. مش حأعيط أبدا بعد كده" يومىء لها الحبيب المختار برأسه لتفهم أنه قد ارتاح بالفعل. وعلى وعدها له منذ تلك الرؤية لم تعد تبكى. كيف تبكيه وقد صار مختارا! ...فقط حين تشدو فيروز: "شادى ركض يتفرج... خفت وصرت انده له وينك رايح ياشادى.. انده له ما يسمعنى......وما عدت شفته ... ضاع شادى"......." الثلج إجا وراح الثلج...و20 مرة إجا وراح الثلج... وأنا صرت اكبر وشادى بعده صغير عم يلعب عالثلج" .
تراه فقط حينها من خلال دمعة تتلألأ فى مقلتها ولا تنحدر....المختار أخاها... صغيرا يلعب هناك بعيدا فوق الثلج!

الأربعاء، 15 يوليو 2009

صباح القشطة من حكر أبو دومة

فى طريق عودتها من عملها الى المنزل مستخدمة كورنيش النيل من المهندسين الى شبرا، كانت تجبر على تغيير مسارها فى الشهور التى تسبق رمضان أو على الأدق بدءا من شهر رجب وحتى الأسبوع الأخير من رمضان. كانت تجبر على الانعطاف من الشارع الذى يسبق محطة المياه بدلا من الدخول من شارع روض الفرج. فشارع روض الفرج يغلق تماما أسفل الكوبرى وعلى جانبيه فى هذه الشهور الثلاث بواسطة تجار البلح ويمتد الزحام ليغلق طريق الكورنيش تماما مما جعل المحافظة تنقل سوق البلح لسوق العبور خارج العاصمة وحسنا فعلت، فهذا الازدحام الخانق والذى كان يمتد لأكثر من ساعة لعبور هذه المنطقة والتى فى الأحوال العادية لا تأخذ أكثر من 5 دقائق كان يحث أصحاب السيارات والتاكسيات للبحث عن طريق آخر للهروب مرغمين وكان أن اكتشفت هذا الطريق الخلفى والمتاخم لمنطقة سكنية تدعى حكر أبو دومة. وهذا الطريق الخلفى يوصل لدوران شبرا دون المرور بمنطقة الغلال بروض الفرج.
والازدحام فى شارع روض الفرج أسفل الكوبرى يشتد خلال النهار وحتى منتصف الليل فيما بين تنزيل البلح من اللوريات الكبيرة ونقله لتشوينه فى المخازن المفتوحة أو بين نقله الى العربات الصغيرة النصف أو الربع نقل بعد بيعه الى التجارالنصف جملة والذين يأتون من كل أنحاء العاصمة بل وأيضا من المحافظات الأخرى . كما كان هناك كذلك البيع القطاعى بواسطة التجار الصغار والذين يرصون البلح فى قفف من الخوص على الدكك الخشبية أمام المحلات أو فى الأماكن المسورة بقماش الخيام والتى تقام على الرصيف ثم تمتد الى نهر الطريق ذاته فى ذروة الموسم. وفى كل عام يبتكرالبائعين الأسماء الجديدة للتدليل على أنواع البلح المختلفة لترويجه بعيدة تماما عن أنواعه الأصلية. بدءا من بلح ليلى علوى الى بلح هيفاء وحتى الشبح والبودرة وانتهاءا بشيمون وشعبولا.
كانت تنعطف من الكورنيش يمينا فى هذا الشارع والذى يقع بجوار محطة مياه روض الفرج ، لتمر بالشارع الخلفى للمحطة حتى تصل الى شارع أبو الفرج والذى يقع على ناصيته مبنى الدونبوسكو. والدونبوسكو لمن لا يعرفه هو مدرسة صناعية أقامتها الحكومة الايطالية فى حى شبرا ليلتحق بها أبنائه الذين أنهوا الشهادة الاعدادية. ويدرس فيه الطلاب الى جانب اللغة العربية والايطالية دروس نظرية وعملية فى الخراطة والكهرباء والميكانيكا وغيرها من الأقسام ليتخرجوا اسطوات فى الحرفة التى يختارونها ومن يتفوق منهم فى نهاية الأعوام الخمسة يكون من نصيبه بعثة الى ايطاليا لتكملة الدراسة وفى الغالب لا يعود منها الطلاب ولكن يستقرون فى المدن الايطالية بعيدا عن العاصمة روما حتى يحصلن على الجنسية والاقامة سواء بالعمل أو بالزواج من ايطالية. وللحق فخريج الدو نبوسكو هو أسطى ماهر فى صنعته (ايديه تتلف فى حرير) تتلقفه الشركات - المتخمة بالموظفين الجالسين على المكاتب الادارية دون عمل حقيقى- للعمل فيها بمرتبات مغرية لشطارتهم وندرتهم، أو هكذا كانوا فى ذلك الوقت .

يقع على الجانب الآخر من الدونبوسكو مستشفى الرمد الشهير بمبناه من الطوب الأحمر الداكن ، ومشهد الصباح المتكرر فى ملل دون تغيير كان لطوابير الأمهات حاملى الأطفال فى كل صباح انتظارا لقطع التذاكر والدخول لمعالجة عيون أولئك الأطفال والتى غالبا ما تكون وصلت لحالة حرجة بعد طول اهمال أو معالجة سطحية. لاتتذكر صورة المستشفى دون أن يقفز الى ذهنها هذا الطابور من الأمهات حاملات الأطفال وأحيانا ساحبات أطفال أخرى ، ورغم تغير مريدات الطابور فى كل يوم الا أن الوجوه تتشابه وكذلك الملابس من جلباب أسود وطرحة أيضا غالبا سوداء كأنه زى رسمى تكاتف الفقر والمستشفى فى فرضه عليهن.

والشارع الذى تجبر هى وغيرها على السير فيه فى الشهور الثلاث ينحنى الى شارع آخر الى اليسار ليوازى شارع الكورنيش. وفيما بين الشارعين تقع منطقة حكر أبو دومة. وحكر أبو دومة منطقة شعبية لها مدخل من ناحية الكورنيش وآخر من هذا الشارع الموازى له ( لا تتذكر اسمه) ، وينبثق من الكورنيش وهذا الشارع ممران يستعمل كل منهما كمدخل وأيضا مخرج للمنطقة بأسرها. أما فى الداخل فحدث ولا حرج. واستخدام كلمة مدخل مقصودا هنا لأنه ليس شارعا أو حارة أو عطفة أو حتى زقاقا ، انما هو ممر يسمح بالكاد لمرور شخصين معا فى نفس الاتجاه أو فى عكسه بالكاد دون أن يتلاحم كتفيهما. وهذا الممر يتفرع الى ممرات أخرى اضيق غالبا أو أوسع نادرا ليكون شبكة عنكبوتية من الممرات التى تصطف على جانبيها أو جانبها الواحد أحيانا ما يمكن أن يطلق عليه منازل تجاوزا، فالحقيقة أن أصل كل منزل ذو المساحة الضيقة والتى لا تزيد فى أغلبها عن 20 مترا، كان عشة من الصفيح ثم أقيمت لها جدرانا من الطوب ، وغالبا ما تتكون من صالة بداخلها غرفة وحمام (ان وجد) . أما المطبخ فهو ركن فى الصالة الصغيرة ترص فيه الأوانى وحلل الطعام على ترابيزة بجوارالبوتاجاز، وتوجد الثلاجة الى جوار التليفزيون فى مواجهة الكنبة البلدية ذات الكسوة المنقوشة بالورود تتوزع عليها المساند المحشوة بالقطن أو التبن والقش. فى الغرفة الداخلية المخصصة للنوم يوجد سريروحيد لرب الأسرة أو كنبة بلدية، وقد يحتل ركنا من أركان الغرفة دولابا للملابس أو تجد صفا من المسامير على الحائط خلف باب الحجرة وفى الصالة لتعليقها عليها، وعلى الأرض حصيرة أو كليم صوف لنوم باقى العائلة عليه.
مع توافد الأبناء وكثرتهم ، يتم اضافة دورا ثانيا وأحيانا ثالثا يشتركون فيه مع عشش الطيور وغية الحمام كل ذلك دون ما أساسات يقوم عليها ذلك المنزل مهما علا. والذى يمنع تلك المنازل من السقوط رغم عدم وجود أساس وكثرة الشقوق والشروخ فى حوائطها وجدرانها هو التحامها والتصاقها ببعضها البعض فهى تقف كتلة واحدة من البناء العشوائى تشقها ممرات. الخوف عند أهل الحكر ينحصر فقط فى أن تقوم حريقة لا قدر الله لأنه من المستحيل أن تستطيع عربات الاطفاء الدخول الى الحكر. واذا حدث يتكاتف الجيران لاطفائها بالتراب أو الماء يصاحبهم لطف من الله قبل أن تمتد وتتسع. أما فى حالة الحاجة الى الاسعاف فكانت تأتى السيارة لتقف على شارع الكورنيش ويتطوع الجميع فى ايصال المريض اليها بحمله أوبالاستعانة بمحفة الاسعاف و الجرى بها فى الممرات أو بنقلها عبر الأسطح المتلاصقة أيهما أقرب وأسرع.

ساكنى المنطقة من حرفين ليسوا بالطبع من خريجى الدونبوسكو ، ورغم التجاور فى المكان الا انهم لم يسمعوا عنه. لكنهم أيضا اسطوات صنعة بالمران الشاق منذ الطفولة. نزح أكثرهم فى الستينات أو قبلها بقليل من قرى الدلتا القريبة للعمل ثم الاستقرار بأسرهم فى هذه البقعة اساحرة من العاصمة ، فهم يسكنون على النيل . لا يعلم أحد من هو تحديدا أبو دومة والذى سمى الحكر على اسمه؟ والحكر هو أرض يتركها صاحبها صدقة جارية تحت ادارة الأوقاف . هناك من يقول ان (أبو دومة) اسم لولى من أولياء الله الصالحين ، وهناك من يؤكد أنه لقب الباشا صاحب الأرض والذى مات دون وريث وتركها للأوقاف تديرها لينتهز الحارس عليها الفرصة ويؤجرها من الباطن دون أوراق رسمية الى من يريد السكن الرخيص فى غفلة أو تغافل من الوزراة. ثم توافد اليها كمعظم الأحياء العشوائية ساكنيها فأقاموا العشش المتناثرة والتى سرعان ما التحمت ببعضها دون تخطيط . والمنطقة ليس بها صرف صحى بل تعتمد على الطرنشات ، أما المياه التى يستخدمونها فى معيشتهم فكانت تمدهم بها محطة مياه روض الفرج المجاورة فى صورة حنفية عمومية تقع فى الجانب الخلفى للمنطقة أمر بها لهم أحد رؤساء تلك المحطة بعد توسل من السكان. وكان لا يوجد بها كهرباء حتى مؤخرا وأظن أن المياه والكهرباء الرسمية قد مدتا اليها منذ سنوات قليلة بعد ما كانوا من قبل يختلسون الانارة من عواميد النورالمطفأة دائما بالشارع الرئيسى.

وقد يتساءل البعض وكيف عرفت كل هذا عن تلك المنطقة، والاجابة أننى دخلتها دون اختيار لعدة أيام بتكليف من الخدمة العامة لعمل بحث حالة لأحد قاطنيه بعد انتهاء دراستى الجامعية. وغادرت الحكر وأنا أحمل فى صدرى التعاطف والمحبة لأهلها والكثير من الإشفاق عليهم من ظروف المعيشة الصعبة التى يحيونها فيه. شدتنى الحياة البسيطة بها فقاطنيه من السكان ليسوا بفقراء ولكنهم أرزقية، يعنى يعتمدون على اليومية التى يتقاضونها مقابل عملهم والذى قد يتصل أياما وينقطع أخرى برغبتهم أحيانا للكسل أو بالرغم منهم أحيانا للمرض، لو لعدم وجود سبوبة أو زبون. وهم كسيبة والدليل على ذلك ما يوجد في المنازل من أجهزة كهربائية من تليفزين وثلاجة وغسالة يدوية. وفوق كل سطح بجوارغية الحمام مباشرة يعلو ايريال التلفزيون والذى استبدل بالدش مؤخرا. ومما رصدته هناك أن غسل الملابس تحديدا هو السبب الرئيسى لقيام الشجار بين الجارات. فمن أرادت مثلا أن تغسل ملابس عائلتها ، تسحب غسالتها فى الممر أمام المنزل حيث المكان أكثر اتساعا من الداخل وتبدأ فى ملئها بالمياه والصابون المبشور، ثم تضع الملابس وتدير الغسالة مرة بعد أخرى. وبعد أن تنتهى تفرغ المياه المتخلفة من الغسيل فى الممر الترابى فيتحول الى ممر طينى أو تسرح المياه لتدخل منزل الجيران، وتخرج الجارة لتعتب عليها أولا ثم يتحول العتاب اذا لم تراع الخواطر الى خناقة حامية بين الجارتين وسرعان ما تنضم أخريات لكل فريق : منهن من يهدأن النفوس ، ومنهن من ينتهزن الفرصة للثأر من خناقة أخرى سابقة لم تنته بانتصار أو اعتذار. وتتعالى الأصوات وتختلط بصياح الدجاج ونباح الكلاب ومأمأة المعيز والخراف ليكونوا جميعا أوركسترا تعزف سمفونية من الضجيج والصخب تهدأ رويدا بعد أن يتعب الأطراف المشتركة فى العزف لتنتهى باصرار المجموعات على أن تقبل صاحبتى الخناقة احداهن رأس الأخرى، والتى قد تقبل الاعتذار أو لا تقبله، أو خروج أحد الرجال والذى يتصادف وجوده لزجرهن فتنفض الجارات كل الى مواصلة ما تفعله فى منزلها أو خارجه . المسافات القليلة فى الممرات تسمح برؤية الخارج لكل ما ومن فى الداخل بسهولة ودون خصوصية . وبالرغم من بساطة أحوال السكان الا أنهم حريصون على النظافة خاصة من يسكن منهم فى الواجهة مقابلا لشارع الكورنيش.

الكل هناك رغم المشاجرات الاعتيادية الشبه يومية عائلة واحدة كبيرة، تتضافر فى الشدة والفرح. فى الصباح يرتفع المذياع و(يا صباح الخير ياللى معانا) لأم كلثوم مع اندفاع البنات والسيدات الى حنفية المياه اليتيمة لملء الجرادل والجراكن لاستخدامها فى الاستحمام أو اعداد الطعام والشرب الا أنه لا يمنع أيضا من قيام بعض المشاجرات على الأولوية فى ملء الأوانى المحمولة على الرؤوس والتى قد لا تكون بأولوية الحضور ولكن أحيانا بمداهنة المسؤول عن صيانة الحنفية بالكلام الناعم أوغمزه من آن لآخر بحتة بسبوسة أو ثمرة فاكهة. وبعد الافطار المتأخر، وقبل منتصف النهار يخرج
الرجال الى أشغالهم كخروج النحل من الخلية تصحبهم السلامة ، يتبادلون الاصطباحة المتنوعة من صباح الفل وصباح الورد الى صباح القشطة واللبن الحليب وصباحين وحتة.... وبعد العصرتفوح روائح الطعام وطشة تقلية الثوم للباذنجان والفلفل أو للملوخية فى أثناء اعداد الغداء والذى يكون بعد عودة رب الأسرة عند الغروب أو بعده. ويختتم اليوم فى سهرة المساء أيضا على صوت أم كلثوم وأغنية (أنا وحبيبى يا نيل) أو (ذكريات) حين تخرج العائلات لنزهتهم اليومية من الحيز الضيق الخانق لشم الهواء على الكورنيش، فترص الكراسى للرجال على الرصيف و تفرد الأحصرة لتضم الجارات يجلسون على الأرض فى مواجهة النيل، يقضون سهرتهم فى الحديث و شى الذرة وعمل الشاى وقزقزة الترمس واللب وشد الجوزة وخلافه. وعلى مقربة منهم على الرصيف الفسيح تلعب البنات نط الحبل والأولاد الكرة الشراب.

وما بين الصباح والمساء يعيش فى حكر أبو دومة ناس بشوشة الوجه ... بيضاء القلب ، راضية بقليلها تحمد الله على اللقمة التى تجىء بعرق الجبين ، يستعينون ويستعيذون بالله، ويتكلون أيضا على الله لكنهم لا يتواكلون عليه كل ذلك بفطرة وتلقائية . يعرفون العيب والأصول لا يمتون بصلة لعشوائيات السينما مثل حين ميسرة أو غيره من الأفلام.
ناس كل رجائهم أن يرزقهم الله فى الغد ما يكفى أولادهم من قوت بالحلال وعرق الجبين و كلهم ثقة فى أن الله لن يردهم مخذولين بل وسيعاملهم برحمته قبل عدله حتى وان كانوا لا يواظبون على الصلاة فى مواعيدها. لم أرى مثلهم فى الكرم فلم أدق عندهم بابا الا وضايفنى أهله أنا وزميلتى على ما يتوفر فى المنزل من شاى وحلوى أو فاكهة.

حكر أبو دومة موجة صاخبة من البشر على شاطىء النيل الهادىء الأمواج، اكتشفت الحكومة مؤخرا أنها بؤرة عشوائية يجب أن تستأصل من واجهة الكورنيش، وسيتم نقل سكانها بعيدا على طريقة أنا لا أكذب ولكنى أتجمل، وستسترد الأرض لبيعها للمستثمرين الذين يقدرون على دفع مهرها الغالى ..... وصباحكم قشطة ان شاء الله!

الثلاثاء، 14 يوليو 2009

صندوق بريد: الياسمين

كان نهارا شتويا مشمسا أغراها أن تصطحب جريدتها لتأخذ قهوة الصباح فى الشرفة. كعادتها ، تقرأ الجريدة من الخلف الى الأمام ، وليس كما يفعل معظم الناس والذين غالبا ما يبدأون بعناوين الصفحة الأولى. انتهت من الصفحة الأخيرة ثم اتجهت لقراءة البخت وصدق أو لا تصدق وبزاوية من عينها لمحت اسما على قمة نعى فى الصفحة المقابلة ولم تصدق!
انتفضت معتدلة! سقط فنجانها من يمناها لتمسك بالجريدة بيديها الاثنتين تتحقق من الاسم ، ثم تنزل سريعا بعينيها لتتأكد من باقى أسماء الأخوة والعائلة . نعم انه هو... هو أول لمسة ايد ، أول لهفة للمواعيد كما قال عبد الحليم فى أعز الناس. البرنس كما يطلق عليه أصدقائه. ووجدت نفسها تغوص فى دوامة من الحزن والذكريات معا.

تردها الدوامة الى سنوات الصبا حين اتى مع عائلته ليسكنوا فى العمارة التى أمامهم ، تفصلها عن عمارتهم بضعة أمتار وبوابة حديدية تكسوها شجرة الياسمين. شجرة الياسمين التى ماأن يأتى الغروب تودع الشمس بعطرها الفواح.
هى تسمع من صديقاتها قصص الحب المشتعلة بينهن وبين أقرانهن من الشبان فى المدرسة المجاورة ، ولم يكن لديها ما تحكيه. استرعى انتباهها بجلوسه على مكتبه للمذاكرة فى مواجهة نافذة غرفته - المفتوحة دائما - مترقبا ظهورها فى الشرفة ليمسح على شعره بيده مرسلا السلام اليها. ترقبه من خلف الشيش حتى لا يراها مترقبا بالساعات اشراقتها فى البلكونة كما كتب اليها فى أشعاره بعد ذلك. أو ينتظر مع أصدقائه على الناصية المقابلة للمنزل لمرورها ليراها ، وكانت تتجاهله متعمدة ليس عن دلال ولكن عن حيرة فلم تكن تدرى ماذا تفعل؟

وحين أخبرت احدى زميلتها العتيدات فى التواصل، قالت لها ردى عليه بابتسامة أو بايماءة من رأسك . ومضت شهور قضاها الاثنان فى فى السلام بالاشارة والرد بالابتسام حتى وجدت أنه يقضى وقته ساهما وعيناه مثبتتان على شرفتها ويهدر وقته ولا يذاكر . كان فى الثانوية العامة ويسبقها بسنتين فقررت أن ترسل له كلمة لتحثه على المذاكرة. كتبت: "دعك منى الآن وانتبه لمذاكرتك" فى ورقة صغيرة ووقفت فى الشرفة وانتظرت ، حتى رفع بصره اليها فقد كان يسكن فى الدور الثانى أما هى فكانت فى الدور الرابع ثم ألقت بالورقة مسرعة من الشرفة لتسقط فى أغصان شجرة الياسمين وتتعلق بها. ومن وراء الشيش ترقبه يستدعى الخادم النوبى ويشير له على مكان الورقة ليهرع هذا يتعلق بأغصان الياسمين يقطف الورقة ويطير بها اليه. راقبته وهو يقرأها ويعيد قراءتها ثم يضعها بداخل كتابه ، يخرجها ويعيد قراءتها حتى ملت من وقفتها وهو لم يمل.

كم من المرات ألقت فى ص. ب.: الياسمين برسالة له ليهرع خادمهم النوبى النحيل ليقوم بالبحث بين الأغصان عن مكان استقرار الخطاب ليعود به اليه مسرعا . أما الرد فكان يضعه لها فى فتحة فى الجدار فى ركن خفى تحت الشجرة لتستطيع بقصر قامتها أن تطوله. كانت رسالات غاية فى السذاجة لا تزيد عن جمليتن أو ثلاث ومعظمها توصيات بالمذاكرة ليرد عليها بقصيدة شعر يكتبها لها.

كانت الاشارة بينهما حين يريد استدعائها للشرفة ليراها أن يدير أغنية لعبد الحليم بصوت عال ولا تخرج غالبا عن أغنيتين سجلهما خصيصا لأجل هذا الغرض (أعز الناس) و(بحبها).

رصيدها من الثقة فى ذاتها قليلا . لم تظن أبدا أنها جميلة و لم تكن أبدا جريئة كقريناتها. كانت عادية فى مظهرها تجمع شعرها ذيل حصان بشريط حريرى دون بهرجة. زى المدرسة كان يقف تحت الركبة كتعليمات أبيها فى وقت كانت معظم البنات يتبارين فى الارتفاع به من المينى للميكرو. وكانت مع أبيها فمن رأيها أن شكل الركبة عموما يفتقر الى الجمال فهى فى النهاية مجرد عظمة بارزة يجب أن تختفى تحت الملابس. خطواتها قصيرة ولكن رشيقة ، تمشى بسرعة كأن هناك من يطاردها تحتضن فى رقة حقيبة المدرسة كما كانت الموضة فى ذلك الوقت. ببساطة لم تحس أبدا أنها ملفتة أو مميزة على الرغم من مخالفة زميلاتها لرأيها هذا. أما هو البرنس كان طويلا رشيقا شعره بنى يميل للاصفرار، وسيما لا يعيبه سوى حول خفيف لحظته فى احدى عينيه مما منعه من مواجهتها بنظره اذا ما التقيا صدفة فى الشارع، أو فى مدخل منزليهما المتشاركان فى نفس البوابة فهو نادرا ما يرفع وجهه اليها . لا يرتدى أبدا تى شيرت بل دائما (فورمل) أو على الأقل قميص وبنطلون ، ويبدو دائما أنيقا فى بساطة.

دخول التليفون لمنزلها كان حدثا مهما وكان الوسيلة الأسرع فى أن يبثها مشاعره بعد ذلك. كانت تنتهز نوم الأسرة فى القيلولة لتسحبه الى غرفة الصالون وتطلب رقمه وتغلق الخط ، ثم تعود بعد ثوان لتطلبه مرة أخرى. كانت تلك هى الاشارة والتى اتفقا عليها لتضمن أن يرد هو وليس أحدا من اخوته ، فقد كان صعبا عليها أن تميز صوته من بينهم . و هكذا تم اغلاق صندق البوستة فى شجرة الياسمين رسميا.

كل حواراتهما دارت حول ما يحدث فى المدرسة ، تحكى له عن زميلاتها والمدرسين ويحكى لها عما يقرأه من كتب ويرشح لها كتبا معينة يكون قد قرأها وأعجبته لتقرأها . لم تقل له أبدا "أحبك" رغم أنه كان يقولها لها قبل أن يغلق الخط فى نهاية كل مكالمة و دون انتظار حتى لردها عليه. وتسأل نفسها: هل أحبته حقا؟ حين تفكر فى ذلك الآن تجد انه لم يكن حبا! قد يكون اعجابا! يجوز أنها أحبت فيه اهتمامه بها ! أحبت الحالة التى أدخلها فيها! أحبت حالة الحب التى توهمتها لتعبر بها مرحلة المراهقة! أحبت أن تجد ما تحكيه لزميلاتها! أحبت قصاصات أشعاره المعطرة بعطر الياسمين.

ومين ينسى شعاع أول شرارة حب وحلاوتها ولمسة ايد ولا المواعيد ولهفتها.....ونظرة من بعيد لبعيد تقول حبيت ....ورمش يقول غلبنى الحب غلبنى ...ولا ننسى ومين يقدر فى يوم ينسى.... أعز الناس حبايبنا!

كان أصغر اخوته - الذكور جميعا - وقد سماهم أبيهم الأزهرى باسماء مزدوجة تبدأ (بما حمد) أى أحمد أو محمد أو محمود الى جانب الاسم الثانى. وبما أن اسمه أحمد فؤاد فقد أطلق عليه أصدقائه لقب البرنس تيمنا بلقب ابن الملك فاروق والذى ولد معه فى نفس العام . نجح فى الثانوية العامة والتحق بكلية طب الأسنان.

فاجأ والدها أسرتها بانتقالهم لسكن آخر أكبر فى شارع آخر فى نفس الحى. من وقتها صار التليفون هو وسيلتهما الوحيدة فى التواصل، فلم تكن لديها الجرأة أن تقابله فى أى مكان. و بعد دخولها الجامعة ، صار لها زملاء وصار من الطبيعى أن يطلبها تليفونيا ، وبالفعل كانت تعتبره زميلا عزيزا عليها بأخلاقه النبيلة. تباعدت اتصالاتهما التليفونية حتى انقطعت دون اتفاق أو اختلاف بعد أن انتقل البرنس وعائلته للسكن فى مكان آخر اثر تهدم منزلهم بسبب الزلزال ، ولم تسعى لمعرفة رقم تليفونه الجديد.

فاجأها صوته مواسيا فى مكالمة وحيدة وبعد انقطاع دام سنوات، فرقم تليفون منزل العائلة والذى عادت اليه بعد طلاقها لم يتغير ، وانما هى التى تغيرت كثيرا. كان من رأى صديقتها أن تنتهز الفرصة وترد له مكالمته لتعيد ما كان ولكنها لم تفعل . فما كان .... قد كان! وسواء أكان اعجابا متبادللا! أم حب من طرف واحد ... لا يهم لأنها كانت قد زهدت الحب وسنينه.

علمت من صديقتها أن البرنس تزوج من جارة أخرى وكأن الهيام بالجارات عشقه الأبدى ، و أنها أنجبت له طفلين. وانقطعت أخباره عنها تماما ، فلقد سافرت للعمل خارج البلاد لسنوات وعادت وهى كما هى امرأة وحيدة تسلى وقتها بقراءة الكتب والمجلات والجرائد. وها هى الجريدة بين يديها تفيق من ذكرياتها على صدمة نعيه فى صفحة الوفيات........ وتنهدت فى أسى فهو مازال فى عقده الرابع وليست هناك اشارة فى النعى على انها حادثة! فكيف؟ أكان مريضا؟ وماذا عن ولديه وزوجته؟ أسئلة دارت فى رأسها ولن تعرف أبدا لها إجابة وهمست: رحمك الله ايها البرنس .

ولا تدرى اخيل لها أم أن عطر الياسمين قد فاح فى الشرفة من حولها حقا، شجرة الياسمين التى كانت فى وقت ما هى : ص. ب. أى صندوق بريد خاص بها وبالبرنس جارها. وتنبهت الى ما كتب فى نهاية النعى ... (ولاعزاء للسيدات)، ووجدت نفسها تردد فى حزن وأسى: "ولا عزاء أيضا لشجرة الياسمين !

الجمعة، 10 يوليو 2009

نور القمر

مهيتاب ( القمر) او على الأدق (نور القمر) صديقتى الآتية من بعيد ، من بلاد الفرس . مهيتاب اسم على مسمى فضوء القمر ينبعث دائما من وجهها ليضيئه. وكما للقمر أياما يسطع فيها فى وسط الشهر وأياما يظلم فيها فى أوله وآخره..... تستطيع بمجرد نظرة لوجهها أن تعرف مدى سطوع أو أفول أيامها. فوجهها يعكس كل ماتمر به كالمرآة الصافية. ماهيتاب صديقتى والتى تفضل ان أقدمها للأخرين بهذه التسمية على أن أقول جارتى. وكنت أظن أن الجارللقرب أقرب من الصديق فى النسب لكنها لم توافقنى أبدا فى هذا الرأى. نور القمر والتى تغمر بنورها أى مكان تذهب اليه لتضيئه ليس فقط لجمال وجهها ولكن لعيونها الذكية والتى تفهم باللمحة وليس بالكلام ، لعقلها الراجح اذا احتاج منها أنسان سواء كان أنا أو غيرى مشورة، واليد الممتدة بالخير دائما اذا اردت منها خدمة أو طلب. نور القمر ذات الفضول الواسع والتى لا تمل السؤال وتلح فيه طلبا فى المعرفة ، الأم الفائقة الحنان التى تعيش مع أولادها حياتهم لحظة بلحظة ، والبنت الرؤوم التى تشتاق لحنان اخوتها وحضن والديها. تحكى عن جمال بلادها وخضارها الدئم والثلوج فوق قمة جبالها والتى رأيتها بنفسى لليلة واحدة أمضيتها فى عاصمتها. تحكى مشتاقة عن أنواع الفاكهة والخضار وطعمها الذى ما زالت تحسه وتستشعر الفرق بين هنا وهناك.

مهيتاب الشيعية أتت من بلادها البعيدة لتقيم فى مصر بعد زواجها من مصرى سنى ولم نتناول أبدا على مدى الأعوام الكثيرة لصداقتنا فى نقاشنا الفرق أو الاختلاف بين السنة والشيعة. بل تصادقنا دون ضجيج تلك الاختلافات. والحقيقة انها لم تأتى مباشرة من بلاد الفرس الى مصر ولكن كان هناك محطة للانتظار فى السعودية وأيضا كانت هناك .... محطة اللقاء بينها وبين زوجها. زوجها يعمل فى أحد المؤسسات السعودية والتى لها علاقة بالجمهور حيث التقى بها وهى المرافقة التى تنظم لمجاميع الحجاج الايرانيين رحلات الحج والعمرة. وبعد عدة رحلات ولقاءات نما الحب بينهما . فهى صاحبة العشرين وذات الوجه الشيرازى والأصل الفارسى تلتقى بالمصرى فى السعودية على المحبة دون موعد بينهما انما بتدبير ربانى.

حين عادت لأهلها من احد رحلاتها وأخبرتهم عنه تم الرفض البات لمشروع الزواج والذى سيتبعه حتما غربة وهذا ما خشوا عليها منه . لكنها لم تيأس ولم تكرر طلبها انما أعلنت انها ببساطة لن تتزوج. كان الخطاب على عادة أهلها يرسلون بأمهاتهم يطرقن أبواب الأقارب بحثا عن عروس مناسبة. وللزيارات فى بلادها طقوس جميلة ومنها أن يجتمع الجميع حول الضيفة يرحبن بها ويعرضن ما يجود به المنزل من أطايب أمام الضيوف فى سفرة مفتوحة دائمة بصرف النظر عن هدف الزيارة. الا هى لا ترحب بأحد ، ولا تجلس مع أحد فتنتقل الرسالة للضيوف والأهل. حتى أبدى أهلها بعد يأس استعدادهم للقاء المصرى المحظوظ ويتم الزواج فى طهران بها دون أهل له و ليطير المصرى بعروسه الى حيث يعمل.

أول المفاجآت أو لنقل الصدمات لها كان السكن المشترك مع عائلة زميل آخر لزوجها وهى التى اعتادت السكن الفسيح فى منزل له حديقة يزرعون فيها كل ما يحتاجه المنزل من خضرة وورود. ولم تدع هذا يشغلها كثيرا حتى أتت الابنة الكبرى وهى صابرة ومحتملة كل مشاكل السكنى المشتركة وحلمها أن تستقل هى وزجها بسكن آخر مناسب.

لا أدرى كيف تعلمت أن تتكلم العربية بمفردهاو دون مساعدة أحد حتى زوجها القليل التواجد فى المنزل بحكم عمله لفترتين فى اليوم والذى كان يتعامل معها بالانجليزية منذ لقائهما، بل صارت تقرأ بها أيضا وتفهمها مثل أهلها وجائز أن تشابه الحروف فى الكتابة ساعدها. وحين أسألها تشير الى التلفزيون وتقول "من المسلسلات والأفلام المصرية"! تتكلم العامية المصرية كأهلها الا أن المذكر والمؤنث فى كلامها واحد ومن الجائز انهاتفعل ذلك عن عمد فالولد والبنت عندها سواسية وهكذا ربت أولادها ، أضحك كثيراحين تقول لى "أنا بقيت بلدية" وهى تقصد أنها أصبحت بنت بلد! صديقتى لديها شطارة التجار الفرس فى اقامتها بالسعودية تشترى وتبيع فى البازارات للسيدات لتزيد من دخل الأسرة حين زاد العدد بتوأم ( أمير وأميرة) ولتتمكن أخيرا من تحقيق حلمها والحصول على مسكن مستقل. لا أعلم كيف استطاعت أن تربى توأما وطفلة ثالثة - كما البدر فى تمامه - ولا تكبرهما سوى بسنوات قليلة بمفردها وبعيدا عن عائلتها دون معونة من أحد ، وأيضا تجد الوقت لتشبع هواياتها الكثيرة فى الرسم والخياطة الراقية . صديقتى أيضا ماهرة فى تصفيف الشعر وصبغه ولا أمهر كوافير ، ولم أعد اذكر لون شعرها الأصلى من كثرة ما تناولته بالألوان ولم لا فهى الفنانة التى تحاول أن تبهج أيامها بالألوان.

صديقتى جاءت بأولادها لتقيم فى القاهرة حين كبر الأولاد للالتحاق بالمدارس المصرية وتمهيدا للإلتحاق بالجامعة المصرية بعد ذلك فالمصريون فى السعودية لا يلتحقون بالجامعات السعودية الا نادرا و بشروط متعسفة. وكعادتها استطاعت أن تؤسس منزلا جديدا للأسرتها الصغيرة بمفردها ، بل وايضا تبحث لأولادها عن أماكن فى المدارس القريبة من المنزل رغم صعوبة ذلك عليها ودون معاونة من أحد خاصة من أهل زوجها. واستقرت الأسرة فى القاهرة دون عائلها والذى بقى هناك فى السعودية بمفرده.

عدد الصدمات التى تلقتها هنا بمفردها مع أولادها كثيرة ، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: دخول رمضان عليهم دون مشاركة من أسرة الزوج ولو بافطار فى أول يوم حتى لو كانت هى الداعية لهذا الافطار بل انهم حتى لا يكلفون خاطرهم بالاعتذار. وأعياد ميلاد الأولاد والأعياد ومناسبات النجاح فى الشهادات . ولا أدرى سر موقفهم السلبى منها والذى قد أعذرهم عليه ، ولكن ما لايغتفر لهم هو موقفهم من أولادها. لم يحس اي من ثلاثتهم بوجود العائلة الكبيرة الا فى زياراتهم لأهل الأم وبالرغم منندرة تلك الزيارات . والغريب أن أرجلهم تدب فى المنزل فى أجازات الزوج وفى حضوره فقط وبعد رحيله يسود الصمت بينها وبينهم مرة أخرى. وكان يهون عليها فى اقامتها بالسعودية أن هناك جالية لجنسيتها كبيرة ، كانت تسعد بلقائهم والتحدث بلغتها الأم معهم والتى أوشكت أن تنسى مفرداتها بعد انتقالها للقاهرة لولا المكالمات التليفونية القليلة لأهلها. أما هنا فلايوجد لديها سوى عدد قليل من الصديقات يزرنها فى أوقات متباعدة فالكل مشغول أو متشاغل. وهى تلزم البيت معظم الوقت ونادرا ما تخرج الا لمصلحة تقضيها للعائلة. لم أرها قط فى ملابس النوم فهى دائما فى أتم هيئة وأبهى زينة دون تبرج ، وكأنها فى انتظار الخروج فى موعد لن يأت أبدا. تقرأ فى نهم وتستعين بالقراءة لجلب النوم و القضاء على الأرق والقلق. فى عينيها فضول القطة حين تسأل عما تجهله وشراسة النمرة حين تزود عن صغارها.

كم من السنوات مر بها وهى بعيدة دون ز يارة لأهلها لعدم قدرتها على تدبير ثمن التذاكر لها ولأولادها رغم تأكدها من أنها لو فقط ألمحت فسوف ير سل لها أهلها كل التكاليف. وأيضا لعدم استطاعة أهلها الحصول على تأشيرة لزيارتها هنا، الا مرة واحدة أتاها أباها للزيارة بعد وساطة كبيرة وقبل أن تسوء العلاقات السياسية. كانت تظن أن أهل زوجها سوف يدعونه ولو مرة للآحتفاء به فى الشهرين الذى أمضاه معها هنا ، أو حتى يأتونها للسلام عليه والتعرف به ولصدمتها أيضا هذا لم يحدث. صارت توارى احراجها أمام أبيها وتسألنى فى صدق "هى دى عاداتكم فى مصر" لأهز لها رأسى نفيا وخجلا من النطق بالكلمات.

اعتادت السهر طول الليل تحرس أولادها ولا تنام الا بعد أن يذهبوا ال مدارسهم حتى تلخبطت ساعتها البيولوجية وأصبحت لا تنام الا سويعات بالنهار. كنت أراها تنهر أولادها اذا ما تأخر أحدهم فى الخارج لبعد التاسعة الولد قبل البنات. وحين أتدخل قائلة" حرام عليكى بحبحيها شوية عليهم خلليها لحد 10 حتى داحنا فى صيف وأجازة" تجيبنى قائلة " ما أقدرش، أنا المسئولة عنهم لوحدى هنا ومش عاوزة أسمع كلمة بايخة من أى حد".

وشهادة للحق، تفحت زهراتها الثلات عن أبناء يشرحن القلب قلبا وقالبا. تهافت العرسان على البنتين لتتزوج واحدة وتخطب الأخرى بينما الزهرة الثالثة (ولدها) التحق للعمل بنجاح فى أحد البنوك.

مهيتاب أو نور القمر عاد زوجها منذ عام للإستقرار فى مصر بعد استقالته من عمله . ومنذ ذلك الوقت وونور القمر شاحبة الوجه وحزينة، فالحياة بينهما ليست تلك الحياة التى حلمت بها و انتظرتها طويلا . فهذا ليس زوجها الذى أحبته وتركت بلدها وأهلها ليس فقط من أجله ولكن من أجل حبهما معا. فأين ذهب ذلك الحب؟ وكأن السنين أخذت منها حبيبها بعيدا لتبدله وترسل لها زوجا. فلا الأبناء تربطهم به صلة ولا هو يعوضهم عن بعده الطويل. فهورغم طيبته دائم التجهم ، كثير الانتقاد وقليل الرضا و لا يعجبه العجب. وهى تحاول أن ترضيه وتلعب دور حمامة السلام بينه وبين الأولاد حتى لا تقوم حريقة فى المنزل. نور القمر تعبت وانطفأ البهاء من وجهها و زادها الحزن عمرا على عمرها.

نور القمر قالت لى" الحياة بالنسبة لى ليست المعيشة فى ظل رجل يطعمنى ويسقينى فقط "! صديقتى تترقب زواج البنت الثانية بفارغ صبر. وأيضا تطمئن على مستقبل ولدها . وددت لو أعرف سر شرودها الدائم! وما ذا يختبىء فى عقلها وخلف دموعها التى تحبسها ولكنها رغما عنها تظهر فى نبرات صوتها! . هل فقدت قدرتها على امتصاص الصدمات؟ هل حنينها الى أهلها عائد لحالة الخواء العاطفى الذى تمر به منذ عودة زوجها؟هل تفكر فى الرحيل والعودة الى أهلها ، شاطىء الآمان بالنسبة لها ؟

قلبى معها وأملى أن يعود القمر ليشرق بنوره مرة أخرى فى وجهها. وجه نور القمر - صديقتى -التى وان اتفقنا أو اختلفنا - أحبها!

حاملات المفاتيح المعلقة

حاملات المفاتيح المعلقة واقصد بهن بناتنا . كل بنت -لأنه كان من النادر أن يكون صبى- كل بنت ولدت فى فترة الثمانينات لأم تعمل. فالبنت تجد نفسها مسؤولة – حتى لو لم تكن الكبرى - عن اخوتها الأصغر أو الأكبر. والمسئولية هنا تنحصر فى وجود مفتاح المنزل مربوطا فى سلسلة حول عنقها خشية أن يسقط أو تضيعه ودون اعتبار لما ستتركه هذا السلسلة من تجريح فى أسفل عنقها فهى بالطبع معدنية خشنة. وتمتد المسئولية لتشمل انتظار أخوتها أمام باب المنزل ان لم يكونوا معها فى نفس المدرسة حتى تأخذهم من الباص الى الشقة لتفتحها وتدخلهم . ويمتد أيضا لإعداد وجبة سريعة من السندوتشات فى حالة أن كانوا جوعى هى واخوتها حتى تحضر الأم من عملها. ثم بعد أن تكبر قليلا ويمكن الاعتماد عليها. تتولى مهمة عمل الأرز وتقطيع السلطة أو حتى ترتيب المنزل وتسخين الطعام حتى يجتمع شمل العائلة على الغداء. قالت لى ابنة أخى أنها كانت تطمئن على وجود السلسلة حول عنقها كل ساعة وتخاف ضياع المفتاح والا فسيبقون فى مدخل العمارة يجلسون على السلالم فى عز البرد أو الحر حتى تعود الأم ثم تتلقى هى وعدها من أمها على اهمالها. وقالت ابنة أختى انها كانت تغتاظ من أخيها لتذمره الدائم لما تعده له من طعام حتى تعود أمها ، ومن أنه كان ينتظر حتى تفرغ من ترتيب المنزل ليعيد لخبطته من جديد حتى تعاقبها أمها حين تعود وطبعا لا تصدق أبدا ان أخاها الصغير البرىء هو السبب. حاملات المفاتيح أعلن العصيان على العمل. كلهن تزوجن وأكثرهن لا يعمل . ومن تعمل تظل فى عملها حتى الانجاب فقط. لم تعد فكرة وجود (كارير) أو مهنة عمل يتخصصن فيها ويبرعن تستهويهن. فعمل الأم سلبنهن طفولتهن ولا يردن لأطفالهن أن يمروا بما مروا هن به. تذكر( ليلى) – احدى بنات العائلة - أن حرارتها كانت مرتفعة للغاية حين عادت للمنزل وكانت تتوق للذهاب الى الفراش ولكنها لم تسطع لأن كان عليها أن تنتظر باص أخيها فى الشارع والذى تأخر أكثر من ساعة وهى تنتظره فى الهواء البارد لترقد بعدها أياما مصابة بالتهاب رئوى. تذكر أيضا كيف كانت أمها -والتى كانت تعمل فى أحد البنوك- تطلب منها أن تساعدها فى الويك اند قى كشوف الحسابات خاصة فى نهاية كل شهر للبحث عن خطأ ما وتضيع الأجازة دون فسحة أو خروج. تذكر (مها) كيف أنها حرقت الأرز وهى فى الرابعة عشرة وان أمها انفجرت فيها صائحة" دلوقت أبوكى على وصول وتلاقيه عاوز يتغذى قبل ما يقيل وطبعا لو ما لقاش رز حا يسود عيشتى بكلامه على انى لازم أستقيل من الشغل واتفرغ للبيت وتضيع على العلاوات والترقيات وكمان المعاش، مبسوطة". وطبعا لم تكن (مها) مبسوطة بأمها المدرسة والتى تفاخر بتربية الأجيال ثم تستعين بمدرسين آخرين لها ولأخوتها "فكفاية عليها شقى طول النهار مع ولاد الناس العفاريت". كثيرة هى ذكرياتهن البريئة الحزينة حين يتأخر بابا وماما حتى المساء وينقطع النور، أو يحدث أى طارىء فى المنزل، كأن تحترق أصابعهن من لسعة حلة تغلى، أو أن يلعب أخ صغير بالكبريت ليحدث حريقا صغيرا فيهرع الولاد للطرق على أبواب الجيران للاستعانة بهم فلم يكن هناك موبايل كأيامنا هذه، أو يدق عليهم الباب أى غريب ليتذكروا التحذير الشديد اللهجة بالا يفتحوا الباب خوفا أن يخطفوا.
حاملات المفاتيح اشتركن جميعا فى حب الأب وميلهن اليه ليس فقط لأنهن بنات ولكن لأن الأب هو الوحيد الذى كان يقدر لهن الاضطلاع بتلك المسئولية . وأيضا اتفقن فى عدم ميلهن للأم والتى دائما تعبانة ومرهقة ولا تجد وقتا للحديث والفضفضةمعهن خاصة فى سنوات المراهقة " يوه بطلى رغى بقى أنا دماغى مصدعة". حاملات المفاتيح لم يتحمسن للعمل بعد الزواج. " أمال أنا اتجوزت ليه ، مش علشان يصرف هو على البيت" أو " أنا ماليش دعوة بالبيت دى مسئوليته اطبخى ياجارية كلف يا سيد" هل هى عودة لزمن الجوارى. أم اننا لم نفهم الدنيا صح مثلهن. " وعلى ايه البهدلة فى المواصلات ووجع الدماغ فى الشغل يعنى فى الآخر حأبقى ايه وزيرة!" أو " ما ادينى قاعدة فى البيت معززة مكرمة واللى أنا عاوزاه بيجينى لحد عندى". هل لم نكرم نحن أنفسنا حين أصررنا على العمل؟ حاملات المفاتيح يتفرغن فى الصباح بعد انتهاء عمل المنزل بمساعدة الشغالة على الأقل مرة فى الأسبوع ، فى الرغى مع صديقاتهن فى التليفون أو على الشات أو الفرجة على التليفزيون . وفى المساء لاصطحاب الأولاد للنادى لمزاولة الأنشطة – التى حرمن هن منها لعدم تفرغ الأم أو لإنشغال الأب فى عمله - ثم العودة للمنزل للمذاكرة للأولاد بأنفسهن. حاملات المفاتيح يشكن لطوب الأرض من الزوج المتعب دائما ، والذى ليس لديه وقت للجلوس معهن بعد أن يأوى الأولاد للفراش، أو الذى يلقى بكامل مسئولية الأولاد عليهن ولا يشارك الا بتوريد النقود المطلوبة ثم معاتبهن على التبذير والاسراف فى زمن صار تدبير ميزانية المنزل ، دون اللجوء للجد أو الجدة أو حتى التصرف فى بعض المشغولات الذهبية حين الآضطرار، دربا من المستحيل. حاملات المفاتيح هن سيدات الزمن الحالى يواصلن تحمل المسئولية باقتدار . المسئولية التى غرست فيهن رغما عنهن فى الصغر وهى تربية الأولاد. فهل نملك أن نلومهن؟

الاثنين، 6 يوليو 2009

خماسى حرف ال (نون) المرح

هن خمس صديقات تزاملن 12 عاما فى سنوات الدراسة منذ بدايتها وتجاورن فى السكن فى نفس الحى ولم يفرقهن الا دخول كل منهن كلية مختلفة ، فناهد ذهبت لكلية لآداب قسم اللغة الفرنسية ، ونادين لم تفضل دراسة الفرنسية رغم أنها جنسية والدتها وقررت دراسة الفلسفة وعلم النفس ، ونيرة ذهبت الى الإعلام أما نانا أو نبيلة فالتحقت بمعهد السينما على غير رغبة والدتها الفنانة المعروفة أو الراقصة المعتزلة سوسو.

ناهد المسيحية الوحيدة بين الصديفات من أصل أرمنى تزوجت فى نهابة الدراسة الجامعية من معيد بالكلية وأنجبت ابنها الوحيد بيتر. بعد تخرج ناهد مباشرة عملت فى السفارة الفرنسية ، و زوج ناهد "شفيق" ورث عن والده مرض القلب وسرعان ما غادر الدنيا اثر ذبحة قلبية وبيتر صغير لم يلتحق بعد بالمدرسة . نذرت ناهد نفسها لذكرى زوجها ولولدها بيتر حتى تخرج من مدرسة الجيزويت وذهب لفرنسا ليدخل السوربون ويترك والدته بمفردها لا يربط بينهما سوى الهاتف وزياراتها له كل عام مرة. وبيتر ليس ابن عاق لكنه لا يريد العيش فى مصر ويرى أن فرنسا هى بلده وهى مستقبله. ناهد قلبها ملىء بالمحبة ويسع صديقتها وقت الضيق.

نادين والدها أحمد الحضرى اسكندرانى ذهب للعمل فى فرنسا فى عطلات الجامعة ليلتقى بأمها مارسيل ويتزوجا بعيدا عن أهله لتفاجئه مارسيل على باب منزل أسرته بالأسكندرية بعد تخرجه والتحاقه بالعمل وهى تحمل نادين وعمرها شهور بين يديها. ولم ينس أونكل عادل لها احراجه أمام أهله أبدا كما لم تنس أخته سميرة لها أنها تزوجت أخيها الذى ادخرته لصديقتها الأنتيم وزينت لها لسنوات هذه الزيجة ، ولم تنس طنط مارسيل والدة نادين تحول الحب الى بغضاء لمجرد ركوبها الطائرة وحضورها لمصر فلم تستطع الاستمرار ورجعت بعدها بشهور قليلة لتترك نادين فى رعاية عمتها . وبعد وفاتها فى باريس ونحن فى الثانوى تفاجأ نادين باستدعاء السفارة لها للحصول على ميراثها من والدتها من مجوهرات ونقود ظلت فى عهدة عمتها حتى زواجها. و لم تمس نادين هذا الميراث بل وضعته أماتة عند ناهد:. وكانت عمة نادين قد انتقلت للقاهرة بعد زواجها وزواج والد نادين بسيدة أخرى. وألحقاها لتلحق بنا فى الاعدادى وتصبح خامستنا خامسة حرف النون وما ان حصلنا على السرتفيكا أو الثانوية العامة حتى زوجتها عمتها للأسناذ تيسير محامى العائلة والذى يكبر نادين بأكثر من 10 سنوات لتكون أول عروس فى الشلة ولم تعترض نادين هروبا من عمتها ومعايرتها الدائمة لها بأمها التى هجرتها وأتت بها فى الحرام رغم الزواج المدنى بين والديها والذى لم تعترف به عمتها. وبشرط وحيد هم اتمام دراستها الجامعية.

نيرة الصحفية الشهيرة ابنة الأزهرى المعروف الدكتور عبد الله الجمال ووالدتها الحاجة عفاف والوحيدة من بيننا التى تمتعت الى حد ما بحياة أسرية سوية وكان بيتهم ملجأ لنا جميعا هروبا من بيوتنا . بعد تخرجها من الجامعة بسنوات تزوجت زميلها محمود بهجت صاحب العمود اليومى فكانت آخر المتزوجات بيننا وأنجبت توأما لمياء وخالد لتعوض تأخرها فى الزواج والإنجاب ولتعهد بهما الى أمها تربيهما لها وتنطلق فى مسيرتها العملية حتى أصبحت رئيس تحرير لمجلة المرأة الحديثة ثم حجت وتحجبت. و رغم حجابها فهى من أنصار تحرر المرأة.

نبيلة صارت الفنانة المشهورة نانا بعد تخرجها من المعهد ، وهى كما ذكرت ابنة فنانة بدأت حياتها الفنية كراقصة ثم اتجهت الى التمثيل حتى تحجبت ولزمت المنزل دون أضواء ، تولت الحاجة سعاد أو سوسو تربية نبيلة بمفردها بعد انفصالها عن والدها ولم تكن لنبيلة أى علاقة بوالدها حتى أنه حين توفى رفضت الذهاب الى الجنازة ثم بكته بعدها بأسابيع ، ولحرص نبيلة على مسيرتها الفنية لم تفلح لها زيجة رغم تعدد الزيجات وتنوعها من فنان زميل لرجل أعمال.. لسياسى لأمير خليجى ...حتى انتهى بها الأمر الى الزواج ممن يصغرونها سنا وطمعا فى شهرتها وثرائها المزعوم . نسيت أن أقول لكم أنها أيضا للحفاظ على مسيرتها الفنية أجهضت أول حمل لها وأخرهم بسبب اهمال الطبيب.

رغم تفرق الصديقات فى شعاب الحياة الا أنهن حرصن على اللقاء كل عيد ميلاد احداهن كلقاء أساسى لا يفرطن فيه ثم فى المناسبات الأخرى بحسب ما يتيسر. وفى اللقاء تتحرر كل منهن مما يثقلها وتلقى به فى فضفضة نسائية وبوح غير محدود. بل وكانت نانا تجبرهن جميعا على الرقص والغناء وكانت أغانى عبد الحليم هى الأساس الذى يستمدن منه البهجة على طريقة الثلاثى المرح أو عفوا الخماسى المرح ولو لساعات قليلة.
ونادين الوحيدة التى لم تعمل وأنجبت أشجان رغم علاقتها المتوترة مع زوجها والذى كان يغالى فى وصايته عليها والتحكم فيها خوفا من أن تطلع البنت لأمها أى وتتركه نادين وتهج لفرنسا فهى تحمل جنسيتها وكانت حريصة أن تسجل أشجان أيضا فى السفارة فور ولادتها لها. وللحقيقة أن نادين راودتها هذه الرغبة ولكن قبل ولادة أشجان أما بعدها فلم تشر لموضوع السفر لا من قريب ولا من بعيد فى أحايثها مع الصديقات واللاتى حرصن أن تكون أكثر اللقاءات فى منزل نادين حتى لا يتركن فرصة للزوج ليمنعها عنهن برفضه لخروجها ، وعلى مضض كان يستقبلهن لثوان قبل أن يغادر الى مكتبه ليسهر فيه كعادته كل يوم. وكان يصبر على تلك اللقاءات لما يتبعها من تحسن طفيف فى نفسية زوجته فتسمح له بالاقنراب منها بعدها فى استسلام ودون تأفف. كانت نادين قد أصيبت باكتئاب ما بعد الولادة مما أدى بزوجها الى اصطحابها لطبيب نفسى جاء باسمه من دليل التليفون بعد الحاحنا عليه حتى لا تخنق الطفلة كما حاولت أكثرمن مرة من قبل.

نادين زهرة الخماسى وأكثرهن هدوءا وجمالا فى عودتها من زيارة لأبيها فى الأسكندرية بفردها فى السيارة مع أشجان ذات الأعوام الثلاثة تفاجأ بعطل فى السيارة فتقف حائرة لينقذها مرور طبيبها مصادفة ويعرض عليها أن يوصلها فى طريقه . بعد عدة كيلومترات ينفجر الأطار الأمامى لسيارة الطبيب لتنقلب السيارة وتموت نادين وهى فى العشرينات ويصاب الطبيب باصابات بالغة أما أشجان فكانت فى الخلف فى كرسيها الصغير ولم تصب بخدش. يأخذ الزوج أشجان ويرحل لأحد الدول العربية هربا من الفضيحة فقد ظن أنها كانت على علاقة بالطبيب رغم أنه زوج وأب وفى اعتقاده بأن الله كشف سرها وجزاها على خيانتها بالموت، وعبثا حاولنا الدفاع عن نادين وعن سمعتها بدون فائدة. وحين فتحت ناهد فمها لتحاول اخباره بالأمانة التى عندها لكزتها نانا فى مرفقها لتسكت ثم فالت لها بعدها" نادين أمنتك انت الأمانة دى علشان خاطر بنتها وبس" وعندها اعترضت ناهد " بس ما حدش عارف الموت من الحياة". وتوصلت الصديقات لفكرة استئجار خزنة مشتركة بأكثر من مفتاح وتحتفط كل منهن بواحدة تحسبا للمستقبل وحيث تودع فيها ميراث أشجان.

ولم نرى أشجان بعدها لسنوات ، حتى ذات صباح تفاجأ نيرة باتصال من ناهد وهى التى لا تتصل أبدا خلال دوام العمل لتقول لها:" نيرة ، نادين كانت هنا" ...." نادين مين؟ وكانت هنا فين؟"- أجابتها نيرة - انتى بتتكلمى عن مين؟" يووه أنا أصلى متلخبطة قوى قصدى أشجان بنت نادين كانت عندى فى السفارة بتعمل باسبور علشان تمت ال 18. وشهقت نيرة من الفرحة والله العظيم بجد وعرفتيها من الإسم مش كده" أجابت ناهد" أبدا عرفتها من الشكل ....يا عدرا يا أم النور نسخة بالكربون كأن نادين هى اللى واقفة قدامى" "هه وقلت لها انك صاحبة مامتها". " أبدا من كتر صدمتى وفرحتى ولا قلتلها حاجة" "ازاى بس يا ناهد incroiable دلوقتى حا نوصل لها ازاى".

"ما تخافيش أنا أخدت عنوانها ورقم تليفونها" وهى على العموم بتدرس فى الجامعة الفرنسية انتى أخوك الصغير مش مدرس هناك برضه" " أيوه "، "على العموم نتقابل عندى النهاردة ونتكلم أنا حأكلم نانا وأقول لها تييجى وانتى كلمى نون الخامسة D'accord "

اجتمع الثلاثى وأنا ، ايوة أنا الراوية فأنا لم أعرفكم على نفسى بعد، أنا (نون) الخامسة أو" نهى "المرشدة السياحية وليس لى دور هنا سوى أن أروى القصة، أما قصتى فسأكتبها بمفردها فيما بعد.

تقابلنا جميعا فى منزل نيرة وصادف وجود أخيها الأصغر (زياد) قرة عين العائلة والذى جاء بعد وفاة أخيه الشهيد فى حرب أكتوبر 73فاتفقنا أن يحاول الحديث معها ومعرفة ظروفها بحكم وجوده معها بالكلية ولتقارب العمر بينهما ويحاول التمهيد لنا بمقابلتها.

فى الجامعة حاول زياد أخو نيرة التقرب لأشجان ولكنها كانت تصد محاولاته ظنا منها أن محاولاته تحمل شيئا آخر. فكان أن بدأ يسأل عنها زملائها فتصدى له أحدهما وكان والده يعمل مع والدها فى البلد العربى الذى نزحا اليه بعد مأساة أمها " لأ يا دكتور ابعد عنها دى عائلتها كلها فضائح"

وحين عاد زياد لأخته نيرة ونقل لها ما كان صرخت فى وجهه " قطع لسان اللى يقول كده عنها" دى ما مامتها كانت أميرة وطيبة غيرشى ان حظها كان زى الزفت وقعها فى ناس ما بترحمش من عيلة ابوها ...لأمها ....لجوزها" ما هو ربنا عشان كده رحمها منهم" يا حبيبتى يا نادين" وأجهشت بالبكاء حين تذكرت العمرة التى خصتها بها بعد وفاتها والتى كانت تحلم أن تذهب معها اليها.

بعد محاولات استجابت نادين لزياد ولكن فى حدود المعاملة بين التلميذة والأستاذ حتى فاتحها فى الإرتباط بها لتفر من أمامه باكية " لأ أرجوك أنا ماستاهلش رجل محترم زيك"

قررنا جميعا استدراج أشجان لمقابلتنا بحجة التدريب فى المجلة عند نيرة وأتت لنجتمع بها وجلسنا نحملق فيها جميعا . كان الشعر الأبيض قد غزا رؤوسنا ، ولم لا فنحن فى بداية العقد السادس الآن ومن منا أخفته بالصبغة فضحتها تجاعيد الوجه والعينين حتى نانا رغم face liftوالذى لا يفلح فى الرقبة دائما تخفيها خلف كوليه عريض أو ايشارب للأناقة . الا نادين ظلت شابة حلوة التقاطيع فى صورة ابنتها أشجان.
جلسنا جميعا معها نبكى أحيانا ونضحك أحيانا ونحن نقص عليها حكاية أمها وما عايشناه معها وحتى خبيئة أمها والتى نحتفظ لها بها فى البنك. وأعطتها نيرة مذكرات أمها والتى أعطتها لها نادين لقرائتها وحين ألحت عليها أن تنشرها لها فى المجلة رفضت وفضلت أن تتركها مع نيرة خشية الوقوع فى يد زوجها ليطلع على أسرارها و جروحها من الزمن. وانهت نيرة اللقاء قائلة" قولى لبابا ان احنا جايين مع أخويا زياد يوم الخميس القادم لنشرب معاه القهوة" واختلطت دموعنا ببسمتنا وتمنينا لو كانت معنا ... نادين زهرة الخماسى... والدتها. وارادت نانا ان تختتم هذا المشهد المسرحى فقالت "كل واحد له ماما واحدة وانت يا أشجان لك خمسة" وارتفعت الضحكات لتملأ المكان بالبهجة التى كنا نفتقدها جميعا فى لقاءاتنا على مر السنوات بعد رحيل نادين.

السبت، 4 يوليو 2009

Peter & the wolf

اذا كنت تحب الموسيقى الكلاسيك ابحث عن سيمفونية "بيتر والذئب" واستمع مع طفلك لها وانت تحكى له القصة.
تعليم الأطفال أصوات الآلات الموسيقية والتعرف على أشكالها كان أحد دروس التربية العملية والتى تدربت علي تدريسها قبل التخرج مع أطفال أحد المدارس الإبتدائية . وكان اختيارى لسيمفونية بيتر والذئب والتى قام سيرغي بروكوفييف بكتابتها للأطفال في عام 1936. ولأنها تساعد على تنمية التذوق الموسيقي لهم في السنوات الأولى من المدرسة وتعرفه على الآلات الموسيقية أيضا، كما كان الأطفال يفرحون بمتابعتها والتعرف على أصوات الآلات التى تمثل شخصيات القصة.

تحكى السمفونية قصة بيتر ، وهو طفل روسى يعيش في منزل جده بجوار غابة ، وخرج بيتر ذات يوم خارج المنزل ، تاركا بوابة الحديقة مفتوحة ، والبطة (سونيا) التي تعيش في الفناء اغتنمت الفرصة للذهاب للسباحة فى بركة مجاورة. وبدأت فى الشجار مع العصفور الصغير (ساشا) حين سألها: "أى نوع من الطيور انت إذا كنت لا تستطيعين الطيران؟" فردت عليه البطة قائلة: "أي نوع من الطيور أنت إذا كنت لا تستطيع السباحة؟". وقام قط بيتر الاليف (ايفان) بفض الشجار بينهما ، بعدها طار الطائر على الأغصان القريبة الا ان نصحه بيتر بالوقوف على الشجر العالى، وذهبت البطة لتسبح فى منطقة آمنة في وسط البركة.
جد بيتر أنبه لكونه خرج للمروج وقال له: "لنفترض أن الذئب خرج لك من الغابة؟"، ورد بيتر عليه بتحدى قائلا "ان الشجعان لا يخافون من الذئاب" ، فأخذه جده وعاد الى داخل المنزل وأقفل عليه البوابة. بعد ذلك بفترة وجيزة خرج ذئب رمادي كبير بالفعل من الغابة. فهرب القط بسرعة إلى شجرة ، وقفزت البطة خارج البركة هاربة ، ولكن الذئب طاردها وابتلعها.
بحث بيتر (الشجاع)عن حبل واستخدمه ليتسلق سور الحديقة ثم قفزالى خارج السور ليحاول انقاذ البطة. طلب بيتر من الطائر التحليق حول رأس الذئب ليشغله عنه ، بينما يقوم هو باستخدم حبل ليصيد به الذئب من ذيله. الذئب ناضل ليتحرر من الحبل ، ولكن بيتر ربط الحبل فى الشجرة ليشدد وثاق الذئب جيدا.
خرج بعض الصيادين ، الذين كانوا يتتبعون الذئب من الغابة واستعدوا لاطلاق النار على الذئب ، ولكن بيتر طلب مساعدتهم على اصطحاب الذئب إلى حديقة الحيوانات في انتصار بدلا من قتله ، وبينما نستمع لمارش انتصار بيتر ، نستمع لصوت للبطة والتى كان يهىء للطائر أنه آتيا من داخل بطن الذئب حين ابتلعها في عجلة ، بينما هى مازالت فى الحقيقة على قيد الحياة. وأخذ يلوم نفسه على مشاجراته معها . لكن القط أشار له الى كومة العشب المجاور البركة حيث وجد البطة مختبأة هناك حتى تهدأ الأمور.

ولقد قامت شركة والت ديزنى بتحويل هذا العمل الموسيقى الى فيلم كارتون 1946

والآلات الممثلة للشخصيات فى السمفونية هى كما يلى:
ويمثل العصفور : الفلوت
ويمثل البطة: الأبوا
ويمثل القط: الكلارينت
ويمثل الجد: الباصون
ويمثل الذئب: الهورن
ويمثل بيتر: الوتريات ( الكمان والفيولا )
ابحث عن صور الآلات مع طفلك للتعرف عليها فى الموسوعة التالية:

الخميس، 2 يوليو 2009

فايزة وعبد الحليم ...... والدخلة البلدى

فايزة ، هى احدى شغالاتنا والتى ورد علينا منهن الكثيرات ، فى سن 8 سنوات جاءت لنا من البلدة لتتولى أمى تربيتها معنا ،و بعد كورس النظافة الشخصية والهدوم الجديدة والأكل الكويس كان لا يميزها عنى وعن اخوتى سوى المنديل على الرأس والسمار الجميل لبشرتها. كنت رفيقة دائمة لها لاحضار المشتريات من السوق وكانت تكبرنى بسنوات بل فى الحقيقة أنى وعيت على البيت لقيتها فيه ، فايزة كانت تحب فى فترة مراهقتها عبد الحليم موت، وأذكر الخناقة التى قامت بينها وبين ماما حين حرقت حلة البامية على النار فلقد سهوت عنها وذهبت تفتح الراديو على عبد الحليم بعد أن سمعته من مطبخ الجيران ونسيت الحلة على النار لتتلسع الحلة وتضيع الوحبة الرئيسية للغذاء بينما هى لازقة جنب الراديو، كان يعاكسها فى الرايحة والجاية المكوجى وصبى البقال والعجلاتى وهى تبتسم وترد" سم كده" . فايزة كانت تحرضنى على الكذب مرة واحدة فى أول كل شهر على أمى والادعاء أن بقال التموين "كان زاحمة موت والله يا ستى حتى اسألى الست الصغيرة"حتى ندخل سينما شبرا بالاس ونستمتع بفيلم من أفلام عبد الحليم المعروضة سواء كان الفيلم قديما أو جديدا ، وكانت تدفع لى تذكرتى أيضا من مصروفها حتى تضمن كتمانى للسر.

فايزة كانت تحسد نا عليها الجارات " ما شاء الله البت دى ما بتتهدش، طول النهار بتبرم فى الشقة" وفايزة كانت كده فعلا ما شاء الله صحة وعافية . فهى تقوم بغسيل ملابس الأسرة مرتين فى الأسبوع قبل ظهور الغسالة الكهربا طبعا وكانت تقضى يوم الغسيل - متعتها الكبرى - كله على الطشت فى الحمام وفوق كرسى خشبى يعلو بضعة ستنيمترات عن الأرض تجلس ساعات تنتقل من دعك وبرش وغلية فى الباستيليا للملابس البيضاء الى تزهيرو شطف وعصر من قروانة لطشت وعلى أنغام وش البوابير كانت تغنى أغانى عبد الحليم ، وكنت أحيانا أجلس معها لتعطينى قروانة صغيرة وتضع لى أى شىء صغير لأشاركها متعتها فى الغسيل، كان النشير متعة أخرى لها على الأحبال الممتدة بطول البلكونة الرئيسة الكبيرة ، تحرص على رص الملايات فى الحبل الخارجى الأول ،ثم الفوط ثم ملابس النوم والخروج ثم الملابس الداخلية فى الداخل، وبعد آذان العصر تحمر لب البطيخ أو الشمام وتجلس معى فى البلكونة فى الغروب تراقب هفهفة الغسيل وتقلبه بين الحين والآخر فى زهوة حقيقية مع قزقزة اللب.

أما يوم التنظيف فده يوم آخر لوحده لازم الفرش كله يطلع فى الشمس حتى المراتب ، وتتمسح الشقة كلها وتندعك الأرض بفرشة البلاط مع الماء والصابون أو اضافة الفنيك أو الجاز وتتغير كل ملايات السراير وفرش الصالون والأنتريه، وتتزعف الأسقف وتتمسع البلكونا ت وتتنفض الشيابيك ويتمسح قزازها حتى السلم لغاية بسطة الجيران اللى تحت . ولا تستريح حتى تبرق الشقة برق وتعيد ترتيب كل شىء فى مكانه مرة أخرى. كل ده على نغمات أغانى عبد الحليم من الراديو تبحث عنها زى المجنونة من محطة لمحطة وتتابعه فى الغناء بمرح صادق طول النهار. كنا نطلق عليها لنغيظها "مجنونة عبد الحليم".

كانت فايزة تنام معنا نحن البنات فى غرفتنا ليس على الأرض ولكن على كنبة وهى نظيفة جدا ، تستحم فى اليوم مرتين صباحا ومساءا وكانت تحرص على وضع المنديلعلى رأسها ليس لتعلن عن صفتها بيننا نحن البنات، ولا لأن أمى تلزمها بهذا ولكن لأن شعرها كان أكرت جدا، وكان الإستثناء الوحيد لرفع المنديل هو يوم العيد عندما تذهب للكوافير كى يفرده لها ، كانت فستان العيد والذى تصنعه لها أمى مع فساتيننا يكوى وتلبس الشبشب القزاز أبو وردة وكعب كوباية وتصحبنا أنا واختى الصغيرة فى أبهى زينة لنا للنزهة فى وغالبا ما تحتوى الفسحة على الدخول للسينما فى وسط البلد وأكل الأيس كريم من جروبى ثم العودة بالترام أو الأتوبيس.

فايزة كبرت عندنا وكان لازم تتجوز لما زاد عمرها على ال 18 على رغبة أهلها ، وأتاها عدلها فى صورة صول فى البوليس أو الجيش لا أذكر الآن ، طويل وعريض وبشنب شعره بنى ناعم منحسر عن قورة عريضة وينذر بصلعة مبكرة، وعيناه عسليتان مائلتان للخضرة وهى على النقيض قصيرة بس مدملكة ووجهها صغير فيه الكثير من الجاذبية، وتقاطيعها أصغر خاصة تميزها عيونها السوداء وأنفها المفلطح قليلا . اتى العريس مع أهله ليراها فى منزلنا ولأول مرة لا تقدم فايزة التحية للضيوف فقد جلست مع أمى وأبى وخالها وأمها - فقد كانت يتيمة - فى الصالون وقمنا نحن البنات بكل واجب الضيافة، تم القبول والاتفاق على المهر والشبكة وموعد الفرح والدخلة فى الصيف كما قالت أمى " بعد الولاد ما ياخدوا الأجازة" ولحين تقوم أمى بتجهيزها بعد شراء الشبكة وهدية فوقها من أبى وأيضا ليحين استيراد شغالة أخرى صغيرة لتتولى فايزة تدريبها قبل الرحيل الى منزلها كما تعودت أمى.

ماما كانت ترسل جزءا من راتب فايزة لأهلها وجزء ثانى صغير تعطيه لها مصروف والجزء الثالث تحوشه لها لجهازها ده طبعا غير الكسوة ولبس العيد، ومن تحويشها وزيادة عليه من بابا ومن اخوتى الكبار قامت ماما مع فايزة برحلات كل جمعة لأسواق الغورية والعتبة وحتى شارع فؤاد لإختيار متاعها الجديد وأحيانا كانا يصطحبانى معهما لأتفرج بعد الحاح منى ووعد بأنى مش حاضايقهم بل حاساعدهم فى الشيل، وتفرغت أمى قبل الفرح بشهر لتفصيل شوار العروسة بمساعدة أختى الكبرى من فساتين وقمصان نوم وخلافه، وكانت متعة لنا نحن الصغار فى المشاركة بتركيب الزراير أو اللفق أو حتى لضم الإبرة لماما كل حسب سنه ، ثم شراء هدايا الزواج الصغيرة لها كقلم أحمر (روج) أو قلم كحل أو حق بودرة أو حق آخر للحمرة من مصروفنا الخاص .

وقبل الفرح ذهبت أنا وفايزة مع ماما لمنزل العريس – لا أذكر أين؟ - لكنه كان فى منطقة شعبية قد تكون زينهم ، المهم ذهبت مع أمى والعروس لفرش غرفتها فى منزل أهل الزوج وهم جميعا يعيشون فيه كل أخ أو أخت مع زوجته أو زوجها فى طابق ، الا أن العروس سوف تقيم مع الأم فى نفس الشقة – شقة العائلة - بعد تخصيص حجرة نوم لهما، أذكر السرير النحاس الذى اشتراه لها العريس أبو عمدان وماما تفرش علية طقم الملايات التى شاركنا جميعا نحن البنات فى تطريزها و الدرابية فوقه و التى أوصت عليها أمى صاحبتها الفلسطينية لتحضرها لفايزة من غزة حين ذهبت لزيارة أهلها، والدولاب أبو 4 ضرف ونحن نرص لها ملابسها على أرففه ونعلق لها فساتيها وحماتها تتفرج متعجبة " يا حلاوة! ايه كل ده ! ده ولا لبس البرنسيسات" ، وأمى ترد بامتنان "كله من شقاها وعرقها طول السنين اللى فاتت" ، والنحاس والألومنيوم والذى تولت فايزة رصه تحت السرير العالى غير صندوق الأطباق واالمعالق والحاجات الرفيعة. والكليم الصوف على الأرض بين السرير والكنبة والستارة الشبيكة على النافذة، وسعادة فايزة بتشريف امى لها ورفع رأسها أمام أنسابها الجدد.

يوم الفرح ذهبنا مع فايزة للكوافير ثم عدنا للمنزل ولبست فايزة ثوب العرس البمبى وكذلك الطرحة من صنع أمى وأختى أيضا ، وتولت أختى تزويقها حتى أصبحت مثل عروسة المولد بالحاحها على أختى أن تزود الحمرة شوية "عشان أخبى السمار" ولون الروج الأحمر القانى ورسمة حدود العين بالأى لينر فوق وتحت.

جاء العريس بالتاكسى المستأجر وتبعناه مع أمى وأبى لحضور الفرح والذى أقيم فى سطوح منزله. كان الحى كله مدعوا فى مساحة السطح الصغيرة وانفعصنا نحن الصغار فى ركن نتفرج على عالم جديد. وبين الرقص والطبل والزغاريد والتحية للمعازيم و الشكر لنا نحن الهوانم على الحضور مضى الفرح ، وجاء أبى ليحضر كتب الكتاب ويكون شاهدا على العقد والوكيل كان خالها . وفجأة وبالرغم من أن الفرح كان ما زال على أشده سرت همهمات بين الحريم ، وجاءت حماتها لتصحبها لشقتها وذهبت امى معهما وتبعهتم والدة فائزة وأخوات العريس. ووجدتنى أتسلل خلفهم لأرى ماذا يحدث؟، وفى الشقة كان الستات يتحلقن حول فائزة فى غرفتها وهى جالسة فوق الفراش. ومن الباب الموارب تابعت حماتها تقول لأمى: "ما تآخذيناش يا هانم احنا ناس على قدنا ولازم الدخلة تبقى بلدى" ، " يا جماعة انتو كده حا ترعبوا البنت سيبوها مع جوزها " قالت أمى ، وتدخلت احدى أخواته" لا موأخذة يا هانم ، الحرص واجب برضك مهما ان كان دى متربية فى بيت فيه شبان " والا انتى خايفة من حاجة" وغضبت أمى وصاحت " ايه لزومه الكلام ده البنت كانت متصانة عندى زى بناتى وأكثر" وتوجهت لأم فايزة قائلة: " انت موافقة على اللى حا يعملوه فى بنتك؟" فأومأت أم فائزة برأاسها بالموافقة وبدأ وجهها يشحب أكثر من شحوب الفقر الدائم عليه. " خلاص انتو أحرار" بس أنا مش حاقف اتفرج على الجهل ده حرام تهدوا فرحة البنت بالطريقة دى وترعبوها"، وغادرت أمى الغرفة والشقة كلها الى السطح واختبأت منها خلف الكنبة فى الصالة وأنا أكثر اصرارا وفضولا على فهم ما يجرى ومتباعة ما سوف يحدث خلف الباب الموارب، ولفت سيدة من الموجودات سبابتها اليمنى بشاشة ونشرت فوطة بيضاء تحت فايزة فى رقدتها بعد أن جردتها من بعض الملابس وأمسكت باقى النسوة كل بيد أو برأس أو برجل ؟ وكتفوها ولا أدرى لم قفز لذهنى فجأة منظر ذبيحة العيد؟ ، ولم تعترض فايزة بل سلمت لهم نفسها ، ولشدة تزاحمهم حولها لم أرى جيدا تفاصيل ما يحدث، و بعد دقائق ارتفعت الزغاريد وانفضت النسوة من حولها وتركوها منكسة الرأس يملأ ا نظراتها الألم منكوشة الشعر مهلهلة الملابس لا تقوى على الحركة حتى ظننت أنها ماتت ، وخرجت الأم وقد عاد لها لون وجهها الكالح وهى تلوح بالفوطة البيضاء وعليها انتشرت بقع الدم الفاقعة ولم ادرى بنفسى الا وهم يحاولون افاقتى ويرشون على وجهى الماء و أنا أردد فى فزع " عملتم فيها ايه؟ دبحتوها؟ ليه؟ هى عملت لكم ايه؟ " وأمى تأخذنى فى حضنها وتربت على رأسى "ما تخافيش يا حبيبتى ايه بس اللى نزلك ورانا" ، ولم أهدأ الا حينما جاءوا لى بها ... بفايزة بعد أن أصلحت من هيئتها و لأتأكد أنها سليمة وأخذتنى على جنب لتقول لى" أنا كويسة أهه زى القرد تعالى نطلع نرقص فوق فى الفرح ونغنى أغانى عبد الحليم" وكعادتها فى تعريفى بحكم أنها الكبيرة بما لا أفهمه قالت " يا عبيطة دى الدخلة البلدى" ولم أفهم ،الا بعدها بسنوات ماذا تعنيه ! تبعتها الى السطوح لأقو ل لأبى "يللا بينا نروح من هنا" ولم أزرها أبدا بعدها فى بيتها الجديد رغم الحاح أمى على لأصحبها حين تعلم بولادة جديدة لفايزة " يا بنتى تعالى معايا شوفى النونو أنا عارفة فايزة حتسألنى عليك" وأرد فى اصرار " لأ مش عاوزة أروح عند الجزارين دول".

وانقطع ما بيننا من صداقة ، فلقد صارت فايزها زوجة ولها مسئولياتها وأنا ما زلت طفلة فى الاعدادى، وكانت تحرص على زيارتنا خاصة فى الأعياد والمواسم كل مرة تحمل طفل صغير على كتفها أو تجر آخر بعد أن زادوا ، وكنت أسمعها تشكو لأمى من هدة حيلها فى خدمة كل شقق العائلة بمفردها ويبدو انهم لهذا وقع اختيارهم عليها، وسخريتهم مما تطبخ لزوجها من مكرونة بالبشامل أو صينية جلاش، وكانت أمى تطمئنها بأن تصبر، وحماتها ان عاشت النهاردة فمش حا تعيش بكرة ومسيرها تبقى حرة فى شقتها، ثم فى آخر الزيارة تعطيها اللى فيه النصيب من لحوم ونقود والتى غالبا لا تأخذها وتقول لأمى" لأ خليهم لى معاكى يا ستى ولما أعوز حاجة حأبقى آجى آخدها " وذلك خوفا من أن تستولى حماتها عليها ، وكانت فعلا تأتى أحيانا على عجل بمفردها اذا اتزنقت فى فلوس لتذهب بابن لها لدكتور أو لتشترى له دواء من خلف ظهر أهل أبيه اللى دياما شايفين انه "على ايه الدكتور هيه فلوس على الفاضى ، اعملى له كباية شاى بليمون وهو يبقى زى الحصان" او لتدفع له فلوس المدرسة فحماتها "مش موافقة على كده" " يعنى اللى تعلموا أخدوا ايه يا حسرة أهو زى ولاد اعمامه يتعلم له صنعة أحسن" الا ان الشىء الوحيد التى كانت تصر عليه فايزة ولا تتزحزح عنه ويجعلها تقف أمام الجميع هو تعليم أولادها بمعونة صادقة من أمى.

فايزة - كيف انقطعت الصلة بيننا؟ هل بالعزال لبيت جديد ، لا أذكر!... ولماذا بعد أن ضاعت من ذاكرتى لسنوات تذكرتها فجأة فى أثناء سماعى لصوت عبد الحليم من مذياع السيارة يغنى أعز الناس حبايبنا ، وكان أول ما قفز لذهنى بألم تفاصيل دخلتها البلدى!

الثلاثاء، 30 يونيو 2009

القفازات السوداء

فى عمارتنا الجديدة أتت طنط نعيمة للسكنى فى الشقة التى تحتنا بالدور الثالث. وطنط نعيمة هى زوجة أمين بيه أيوب وكيل الوزارة المحال على المعاش. انسان لم أرى فى حنوه وطيبته فى حياتى ، أو كما يقول المثل يطحت على الجرح يطيب. ولم تكن فى الحقيقة جيرة طنط نعيمة طيبة ككل الجيران. ففجأة نجدها تظهر فى الشباك أو البلكونة وتبدأ بالزغاريد ثم تنتقل لوصلة من الشتائم وتختمها بالدعاء على جمال عبد الناصر والثورة واليوم الأسود حين ألغوا البهوية وطلعوا أمين بيه على المعاش وأحيانا تخلع بعض ملابسها أو غطاء رأسها وتلقى بها فى الشارع. والغريب أنها كانت دائما تبدأ مسلسلها هذا وأمين بيه خارج المنزل أو على الأدق بمجرد ما يحود من على ناصية الشارع. وربما يرى البعض انه: وماله ست غلبانة وعقلها خف ايه المشكلة؟ ولكن فى الحقيقة انها كانت مشكلة كبيرة لى ولأخوتى الصغار بل ولكل الجيران.

ولم يكن الموضوع يقتصر على وصلة ردح وشوية زغاريد وهدوم بتترمى من غير ما تتعرى وخلاص لكنها كانت تتربص بنا على السلم وما ان نطأ عتبتها حتى ينفتح بابها فجأة وتظهر وهى تضع الروج الفاقع على كل مكان فى وجهها وتطلق صيحاتها فى وجوهنا ولا تعلم حقيقة أهى تضحك أم تبكى؟ كماكانت أحيانا ترتدى فى يديها زوج أسود من أحذية أمين بيه زوجها. أو أحيانا أخرى تقف وهى ممسكة بأحد القطط السوداء ثم على حين غرة تلقيها علينا فتثير رعب القطة ورعبنا فى آن واحد لنصرخ معا أنا والقطة ، والمشكلة ان شقتهم كان لها بابين باب فى أول البسطة وباب آخر فى نهايتها ، وكنا نتسحب على السلالم ثم نأخذ البسطة جرى فلا ندرى خلف أى باب تكمن لنا لتفاجئنا ، وطبعا احنا بتشوف المنظر ده وهى ترتدى قفازات الأحذية السوداء - رغم انه ما فيهوش أى رعب لكن كنا أطفال- ونقول يا فكيك نجرى اما لفوق أو لتحت على السلالم أيهما أقرب. و لو جرينا لتحت تبقى مصيبة سودة وحطت علينا ، ما هوها نرجع نطلع لفوق لشقتنا تانى ازاى؟ فنبدأ بالبكاء ثم الصراخ والنداء على ماما - رحمها الله - عشان تلحقنا. ورغم ان الموضوع كله ما كانش بياخد ثوانى الا ان قلبى - وأذكر ذلك جيدا - كان يقف فى حلقى من كثرة الخوف بعدها لساعات طويلة. وهكذا أصبح النزول من الشقة والصعود اليها فى الذهاب للمدرسة والعودة منها ، مشكلة المشاكل خاصة لى. وما كان من أمى غير أنها كانت تنظم نوبات لحراسة السلم لنا بالتناوب بينها وبين شغالتنا فى النزول الى المدرسة، وكذلك فى العودة من المدرسة مع اضافة جرس آخر للشقة فى أول دور حتى ندق عليه فينتظرنا من عليه نوبة الحراسة فى أعلى السلم حتى نمر من بسطة طنط نعيمة فى سلام.

وللحقيقة أن عرض طنط نعيمة المسرحى لم يكن يوميا بل كان موسميا ، ففجأة تبدأه لأيام وفجأة ينقطع لأيام تصل لشهور. وعلى قول الجيران كان الجنان يزيد فى آوان الباذنجان أى حين يظهر محصول الباذجان فى السوق . ولم يكن هذا الترهيب لنا نحن الأطفال هو فقط ما تقوم به ، بل تعداه لنشاطات أخرى مثل القاء الحبر والأوساخ والزبالة على غسيل الجيران المنشور. أو قطع حبل السبت باستخدام سكين أو مقص بعد أن يملؤه البائع بالمشتريات فيطب ساكت فى أرض الشارع وتتلوث محتوياته بترابه بعد تبعثرها. وطبعا تقوم خناقة فى كل مرة بينها وبين صاحبة السبت المقطوع أو الغسيل المتسخ من الجيران فى العمارة. وكان أن فاض الكيل بالجميع واتفقوا جميعالاعلى الحديث مع أمين بيه فيما يحدث من ورائه. ولدهشة الجميع فاض الدمع من عيونه وترقرق وأخذ فى الإعتذار عنها لنا ، وعرفنا وقتها أنه يعلم تماما ما يجرى فى غيابه بل أنه أحيانا يكون موجودا ويقف خلف الشيش يحايلها أن تكف عن هذيانها وتدخل من الشرفة. وناداها ليوبخها أمامنا وهى لم تنبت شفتاها بكلمة انما وقفت مطأطأة الرأس تهز رأسها بايماءة الموافقة على كل ما يوجهه لها من تأنيب ولوم.

وبدأت القصص عن سبب جنونها تنتشر من خلال الشائعات بين الجارات فمن قالت أن طنط نعيمة كانت خادمة فى سراية والده أيوب بيه ولقد أحبها أمين بيه فطرده والده من السراية وحرمه من الميراث ، وبعد زواجه منها أصيبت بنوبات الجنون هذه وتعب من عرضها على الأطباء ورغم ما كانت تتناوله من أدوية لعلاج حالتها الا أنها لم تتحسن بما يكفى ،فكان يرحل بها من شقة الى أخرى حين يشكو الناس من جنونها. أما سبب الجنون فتنوع بين أنها جنت حين لم تستطع أن تنجب له ولدا ونتيجة لخوفها الشديد من أن يتركها أو يتزوج أخرى عليها، أو أنها كانت حامل وسقطت ولم تستطع الإنجاب مرة أخرى فأصابها الإكتئاب ثم الجنون ، أوأن ما حدث لها هو رد فعل لطردهم من رغد العيش فى السراية للحياة المقفرة خارجها ، وأحيانا يؤولون السبب الى طلوعه فجأة على المعاش والطرد من الخدمة كوكيل وزارة وتأثر دخلهم بعد الثورة.

لم يكن لهم زوار سوى ابن أخ أمين بيه وكان يمر عليه كل كام شهر ، وكان أمين بيه هو الذى يشترى طلبات المنزل ويعود بها مع مرسال لتوصيلها للمنزل وكنا نقابله فى مدخل العمارة مرتديا بدلته الكاملة وعلى رأسه طربوشه الأحمر المميز ويكون عائدا من القهوة فهى المكان الوحيد الذى يذهب اليه يوميا فيما عدا يوم الجمعة، أو يذهب للمصلحة لقبض المعاش أول كل شهر وكان يسر للقيانا ويداعبنا ويخرج لنا من جيوبه الأرواح والملبس. وكنا أحيانا نساعده فى حمل مشترواته بل ونتجرأ وندخل فى حراسته وحماه لوضعها على ترابيزة السفرة فى الصالة الواسعة لنشبع فضولنا مع مقاومة شديدة للرعب الذى يجتاحنا وذلك للتلصص على المكان الذى تسكن فيه الجنية التى تروعنا. وحين ترانا معه كانت تبتسم لنا فى هدوء وتعطينا مما كنا نحمل من فاكهة وتقول:" سلموا لى على ماما" أو "ابقوا تعالوا زورونا، طب ده أمين بيه بيحبكم خالص وربنا يعلم!" وكانت عيون أونكل أمين بيه حينئذ تفيض بالمحبة لها ولنا.

لا أستطيع حصر عدد المرات التى تشنكلت ووقعت فيها على السلم وأصبت قدمى أوظهرى رعبا وهربا منها حين تعودها الحالة فتخرج لمفاجئتى. ومما زاد الطين بلة أننا أحيانا كنا نعثر على قطة مخنوقة أو طائر ميت و ملقى أمام باب شقتها أو على شباك السلم الواقع فى نفس الطابق. رغم أنها كثيرا ما كانت تحضر للقطط الطعام وتقف تناديهم على السلم لكى يحضروا لأكله وغالبا ما تكون القطط كلها سوداء مما دعا الجيران للإعتقاد بأنها تقتل القطط لتستعين بها فى الأعمال السحرية . وطبعا هذه الشائعة كانت تهىء لنا بأن الدور علينا لتقتلنا وتلقى بنا مثل قططها السوداء.

كم مرة هدد أحد الجيران أن يأتى لها بالبوليس أو النجدة ولم يحدث ، حتى وقعت الواقعة فعلا وحضرت النجدة يوما بعد بلاغ من أحدهم وذلك حين تربصت بأمى وللمرة الأولى والأخيرة وكانت أمى حاملا فى آخر العنقود وفى أثناء صعودها حاملة أخى الأصغر دفعتها باتجاه السلالم دفعة قوية مفاجئة ولولا تشبث أمى بأخى بيد والدرابزين بيد أخرى لحدث ما لا يحمد عقباه ولكن الله سلم ، وذهب أمين بيه الى القسم لأنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها واصطحابها ثم تنازلت أمى لحق الجيرة ، وأخذ الضابط عليه تعهدا بمراقبتها ودفع أذاها عن الجيران والا سوف يبلغ عنها مستشفى الأمراض العقلية خاصة وأنها كانت تشتم فى الثورة ورئيسها تحديدا . مرات ومرات رأيته يبكى ويعتذر للناس ، وحين يقولون له " ما تبعتها السراية" يقصدون مستشفى المجانين يقول "أبدا طول ما أنا عايش ما يهونش على أبهدلها ، دى كانت عايشة فعلا فى سراية" .

ومرض أمين بيه وكان على الجيران عيادته فى مرضه الذى طال لسنوات فلم يكن له أهلا غيرنا ثم غادر الدنيا بعد توصيته لصاحب العمارة بألا يطرد طنط نعيمة من الشقة وأخذ منه ميثاقا غليظا وتعهد له بذلك وأوفى. وأصبحت طنط نعيمة وحيدة بعده تماما ، وبدأت تعتاد الخروج لقضاء حوائجها بنفسها وكنا نساعدها فى حمل أغراضها والصعود بها لكننا لم نجرؤ بعد رحيل أمين بيه على الدخول لشقتها الا فى حراسة الكبار منا ، والغريب أنها كانت قد هدأت كثيرا بعد وفاة أمين بيه الا من بعض الهنات .

ومرضت طنط نعيمة هى الأخرى وكان الجيران يتناوبون رعايتها والقيام بشئونها، ومن ضمنهم أخى الكبير وزوجته والذى تزوج وأقام فى نفس الشقة بعدنا . وكنا نحن نعودها أحيانا بعد أن كبرنا وذهب عنا خوفنا منها ووعينا بأنها انسانة مسكينة لا تعى ما تفعل ولا تملك من أمرها شأنا حين تأتيها النوبة .

ثم ماتت طنط نعيمة الملقبة ب "نعيمة المجنونة" بعد أمين بيه بسنوات كثيرة . ولم يكن فى وداعها سوى الجيران وأبناؤهم الذين طالما روعتهم بعد أن أصبحوا رجالا ونساءا.

ورغم انتقالنا من الشارع كله الى منزل آخر غير بعيد ورغم مرور عشرات السنين على تلك الوقائع الا أننى ما زلت أخاف القطط وأرتعب من الأسود منها بالذات حين ألتقيه على السلالم، وحتى الآن ما زلت أحلم بكوابيس تفاصيلها تعود لذكرياتى المروعة فى ذلك الوقت عن طنط نعيمة وقططها وطيورها النافقة وقفازاتها الغريبة من الأحذية السوداء .

رحم الله أمين بيه أيوب وزوجته طنط نعيمة "المسكينة" وغفر لها ما سببته لنا من ذعر فى طفولتنا!

هل الدنيا ما بقاش فيه بركة؟

- ليه رغم الشكوى من الملل الا ان اليوم بقى بيعدى فى ثوانى؟
هل لقلة البركة؟
طب ليه زمان كان الوحد بيدرس الصبح وياخد كورسات بعد الظهر ويشوف صحابه ويروح معاهم سينما أو حتى يعدى عليهم على السريع كل ده فى يوم واحد!

- ليه لما الواحد يروح مشوار كام ساعة دلوقتى يرجع منهار ؟ ويقعد تانى يوم فى البيت ياخد فترة نقاهة من آثار الخروجة الواحدة؟ سواء كان سايق والا راكب تاكسى أو ميكروباس؟ اللهم اكفينا شرهم!
هل الزحمة فى الشوارع؟ أم خنقة العادم والتلوث! أم الهبل والاستهبال فى قواعد المرور واللى يمد بوزعربيته أو يعرف يغرز هو اللى يملك الطريق!
طب ليه زمان كنا بندعبس على خروجة ولو مرة فى الأسبوع نركب الأتوبيس أو الترام ويا سلام لو تاكسى مرسيدس كنا نقول عليها فسحة!

- ليه بقيت تفضل انك تستعمل التليفون فى السؤال عن الناس؟ أو حتى النت فى التواصل مع أصحابك على انك تزورهم!
هل هو استسهال؟ أم قلة وقت؟ أم ضيق الشقق والبيوت باللى فيها!
طب ليه زمان كان مايعديش أسبوع من غير لمة الشلة فى سينما أو جنينة أو حتى بيت حد فينا حتى لو كان اودة الجلوس أو الصالة اللى مهما كانت ضيقة كانت دايما بتساعنا!

- ليه الناس بتروح تقدم واجب العزاء؟ وتبعت يادوبك بوكيه ورد ده اذا بعتت على انها تحضر فرح؟
هل اننا بنلاقى نفسنا فى الحزن ؟ وما بقاش فى نفوسنا مكان للفرح! والا هروب من تكلفة بدلة جديدة أوفساتين للمدام والعيال؟

- وايه موضة حجز القاعات للعزاء : واحدة للرجالة والتانية للستات الى ما بيبطلوش كلام مع بعض أو فى الموبايل ، وأحيانا يأجلوا العزاء بعد الجنازة بأيام لغاية لما يلاقوا قاعة بعينها فاضية رغم انه لا عزاء فوق ثلاث ويروحوا دافعين فيها الشىء الفلانى وده غير تكاليف طبع كتب وتفريقها، ده غير المشاريب اللى ما بقتش قهوة سادة بس! ويقال انه بقى فيها تصوير بالفيديو- ولو انى ماشفتتش بعينى- ليه ده كله ما كفاية تشييع ا لجنازة والصلاة والدعاء واللى معاه حاجة زيادة يعمل بها صدقة جارية أو يطلعها للمحتاجين زكاة على روح الفقيد أو الفقيدة.

- وليه المغالاة فى تكاليف الأفراح لدرجة الاستدانة من الغريب والقريب؟ وعشان ايه ؟
عشان تحضرفرح صاخب فشر النايت كلاب فى الأغانى الركيكة واللى بيخللى الواحد ينطرش ويجيله صداع يعانى منه لأيام بعدها؟ أم الملل من نفس السيناريو: كوشة فاضية وعروسة متقمصة دور رقاصة والعريس عامل زى الكتكوت الدايخ من اللى كعه فى تكاليف الجهاز والفرح وعمال يهبل هو وأصحابه زى المجانين وبيسموه رقص! وهوشايل هم نهاية الليلة السودا دى بنجاح !! لأ والأدهى حواليهم محجبات مش مانعهم الحجاب من هز الوسط ولا أجدع فرقة عوالم! والا الشبكة اللى لازم تلف على المعازيم رغم ان كلنا عارفين ان أمها حطه فوقيها حاجتها وحاجات إخوتها لزوم المنظرة! لأ وإلا لما يفتح البوفيه عينك ماتشوف الا النور وأدى دقنى لو طلت قزازة حاجة ساقعة تبلع بيها قرفك من اللى انت شايفه!
فين أيام الكوشة والعروسين قاعدين فيها محترمين والدبلتين والخاتم أو الأسورة البسيطة وتلاقى الناس تروح لهم لغاية عندهم تبارك لهم وتتصورمعاهم فى هدوء ومزيكا هادية والأكل وكوباية الشربات ييجوا لك وانت قاعد محترم فى مكانك!

- ليه الموظف بياخد فى مشوا ر الشغل رايح ساعتين وزيهم فى الرجوع وكل اللى يقعده فى الشغل ما يجيش نص الوقت ده وحتى نص الوقت ده بيقضيه فى الوضوء وصلاة الظهر وقراة الأوراد والأذكارللصباح والظهر وبعد الظهر! غير حكمة فوت علينا بكرة!
هل الزحمة فى الشوارع؟ هل قلة الضمير؟ والا على قد فلوسهم؟
طيب فين قدسية العمل؟ مش برضه العمل عبادة! ماهو الموظف هنا هوه هواه اللى عنده مصلحة فى حتة تانية عند موظف تانى برضه! واللى حتدوخه النهاردة ها يطلع عينك لما تروح له فى مصلحة بكرة!

- ليه الأولاد بقوا بيحتكروا أهاليهم ويبتزوهم بحجة اشمعنى أصحابى؟ أو هو أنا بس ، ما كل أصحابى كده اذا الأهل لاموهم على التأخير للفجر فى الشوارع والمولات والقهاوى أو على المصروفات الزايدة أو حتى شرب السجاير والبلوى الأكبر اللى اسمها شيشة؟ ومبقاش فيه فرق بين بنت وولد فى أى حاجة؟
مين بيربى مين؟ والا بقينا زى القطيع ماشيين ورا بعض فى سكة واحدة من غير ما نسأل احنا رايحيين فين؟ هى دى سكة السلامة والا الندامة والا كله راح واللى راح ما بيرجعش!

الأسئلة كثيرة والإجابات يمكن تكون شبه معروفة لنا كلنا لكن ما حدش بيقولها بصوت عالى و أمراضنا الإجتماعية بتزيد والوقت بيضيع والبركة بتقل ... فين راحت البركة؟

الأحد، 28 يونيو 2009

Il trovatore Opera - Verdi

ترجمة وتلخيص مشاهد أوبرا الترافاتورى لفيردى

الفصل الأول :
المشهد الأول:
في غرفة حارس القلعة لونا (قصر Aljaferia الاسباني) Ferrando ، قائد الحرس ، أعطى الأوامر لرجاله لمراقبة الكونت دي لونا في حين يتجول بشكل قلق تحت نوافذ Leonora ، سيدة في انتظار الأميرة. دي لونا يحب Leonora ، ويغير على رئاسته الناجحة من منافسةالشاعر المتجول Manrico. من اجل الحفاظ على الحراس مستيقظا ، Ferrando يروي تاريخ العد للحراس. ويبدو أن احدى الغجريات ذات مرة قد سحرت الشقيق الصغير للكونت ، مما جعل الطفل ضعيف ومريض ، لهذا احرقوها حية لذا فقدأوصت ابنتها
Azucena بالإنتقام لها ، وهو ما فعلته بأن استولوت على الشقيق الاصغر. على الرغم من العثور على عظام طفل محروقة في رماد محرقة الجثث ، الا أن الأب رفض الاعتقاد في وفاة ابنه ؛وعلى فراش الموت ، أمرالكونت دي لونا بالبحث عن Azucena.
المشهد 2 : في حديقة قصر الأميرة Leonora اعترفت بالحب ل Manrico لصديقتهاالتى تثق فيهاالثقة Ines بالحب الذي نادرا ما يمكن للكلمات أن تصفه. عندما ذهبتا ، ظهر الكونت دي لونا يسمع على البعد صوت منافسه Manrico : يغنى لحن: "وحده على هذه الأرض"). بينما في الظلام Leonora أخطأت فى حبيبها وحسبت أن Manrico هو حبيبها وهو يدخل الحديقة ، فهرعت الى ذراعيه بالخطأ. كان الكونت يعتبر Manrico عدوه ، المحكوم عليه بالإعدام ، ويجره الى القتال. حاولت Leonora التدخل ، لكنه لم تستطيع منعهم من القتال (وغنى الثلاثة لحن: Di geloso amor sprezzato "نار غيرة الحب".

الفصل الثانى (2) : المرأة الغجرية
المشهد 1 : مخيم الغجر في حين Manrico يجلس جوار سرير والدته Azucena ،كان الغجر يقومون بانشاد : fosche notturne : "انظر! السماء التي لا نهاية لها وقد ألقت ظلالا قاتمة ليلا ". انها ابنة الغجرية التى أحرقها الكونت من قبل ، وعلى الرغم من عمرها ، لا تزال تسعى للانتقام لأمها. الأغنية : "إن النيران تزأر!"). تفرق الغجر بعد الأغينى في حين اعترفت Azucena لManrico بأنها بعد ان سرقته وهو طفب كانت تنوي حرقه إلا انها ألقت ابنها الصغير ، بدلا منه فى النار (الأغنية : Condotta ell'era في ceppi / "جروها في الأصفاد" . Manrico أدرك انه ليس ابن Azucena ، ولكنه يحبها كما لو كانت أمه في الحقيقة ، لأنها كانت دائما وفية ومحبة له.

Manrico يقول لها انه هزم Azucena دي لونا في مبارزة ، ولكنه رجع عن قتله بعد أن سيطرت عليه سلطة غامضة (الثنائي يغنى :/ "لم تكن له حيلة في صدهجومى الوحشي".

وصل الرسول وأخبرهم بأن Leonora ،والتى تعتقد أن Manrico قد مات، على وشك الدخول في أحد الأديرة وارتداءالحجاب في تلك الليلة. على الرغم من أن Azucena قد حاولت منعه من المغادرة وهوفى حالته الضعيفة الا انه اندفع مغادر قبل أن تمنعه مما نوى عليه. اغنية: "لا بد لي أن أتكلم معك")


المشهد 1 : أمام الدير:

المشهد 2 : أمام الدير دي لونا ومريديه يعتزمون خطف Leonora والكونت يغني من حبه لها (الأغنية : "ضوء ابتسامتها". Leonora والراهبات يظهرن في موكب ، ولكن Manrico يمنع دي لونا من تنفيذ مخططه ، وبدلا من ذلك ، يأخذ Leonora بعيدا معه.

الفصل 3: ابن المرأة الغجرية
المشهد 1 : مخيم Di Luna
الكورس يغنى" نحن الآن نلعب الزهر " وجعل Di Luna الجنود يلقون القبض على Azucena. ويتعرف عليها Ferrando ، ويحكم عليها Di Luna بالحرق.
المشهد 2 : غرفة في القلعة
Leonora وManrico يعيشان فقط لبعضهما البعض. (الأغنية ، Manrico : / "آه ، نعم ، وحبي ، هو ملك لكى". وكانا على وشك تبادل عهد زواجهما ، Ruiz ، رفيق Manrico قال لهم أن Azucena سوف تحرق . Manrico اندفع للذهاب لها ليساعدها أغنية "اللهيب المخيف لمحرقة الجثث"). ثم فقدت Leonora الوعى وأغمى عليها.

الفصل رقم 4 : العقاب
المشهد 1 : قبل أن يبقي فى الزنزانة

حاولت Leonora أن تحرر Manrico ، الذي تم اعتقاله بواسطة Di Luna (الأغنية : "على اجنحة الحب الوردية" كورس & الثنائي : أغنية / "الرب ، الرحمة على روحه"). Leonora تستعطف Di Luna طالبة الرحمة وتقدم نفسها في مكان حبيبها. وتعدالكونت بإعطاءه نفسها ، ولكن سرا تبتلع السم من خاتمها من أجل أن تموت قبل أن يستطيع امتلاكها (أغنيةثنائية : "انظر دموعى المريرة التى أذرفها"). المشهد 2 : في زنزانة Manrico وAzucena ينتظرا تنفيذ الحكم فيهما. Manrico يحاول تهدئة Azucena والتى تسرح بخيالها فى أسعد أيامها في الجبال (أغنيةثنائية : / "مرة أخرى إلى جبالنا سنعود"). وأخيرا استسلم الغجر للنوم.
Leonora تأتي ل Manrico وتقول له انه تم انقاذه وتتوسل له ان يفر من الزنزانة. وعندما يكتشف أنها لا تستطيع مرافقته ، يرفض الخروج من السجن. ويعتقد أن Leonora قد خانته الى أن يدرك انها تناولت السم لتبقى وفية له. وبينما تصارع الموت فى أحضان Manrico تعترف له بانها تفضل الموت معه على الزواج من آخر. (أغنيةرباعية : "بدلا من أن نعيش كشخص آخر" ويدخل الكونت يجد Leonora قتيلة بين يدى منافسه ويأمر أن يؤخذ Manrico لتنفيذ الحكم. ووتعود Azucena للحياة وعندما يريها Di Luna جثة Manrico تصرخ في انتصار: "كان أخيك، لقدانتقمت.. آه يا أمى!" في نفس الوقت يصرخ Azucena ، صرخات اليأس "وأنا لا بد لي من العيش!".

الى صديقتى التى لا أتذكر اسمها!

Impossible
فى منتصف الثمانينيات كنا زميلتا عمل فى فرعين مختلفين فى احدى الشركات الأجنبية وكنت أكبرها بسنوات قليلة لكن ذلك لم يمنعنا من التعارف بالتليفون ثم الصداقة بعدها والخروج بعد العمل معا لحضور الندوات والمحاضرات ... حكت لى عن والدتها التى ترتدى الملابس الريفية كرغبة والدها رغم أنها تربت وعاشت فى العاصمة وتعلمت حتى فكت الخط رغم أنها كانت تهوى العلام ، وحتى بعد وفاته بعد ولادتها بأسابيع.... لم يتغير في ملبسها شىء غير استبدال أمها لملابسها بملابس أخرى من نفس الطراز لكنها سوداء تماما حتى غطاء الرأس..... فلقد كانت والدتها تحبه كثيرا وكان يدللها أكثر...وحفى حتى يتزوجها بعد أن رآها فى احدى محلاته تشترى شيئا مع أمها.....وكيف أنه كتب لها الكثير من الممتلكات ليوافق أهلها على الزواج منها .... حكت لى عن أشقائها الرجال الذين يكبرونها بالعديد من السنوات والحريصين على تربية شنباتهم كوالدهم والتباهى بها....وعن أولاد أخوتها الصغار والذين يتكلمون بطريقة بلدى لأن زوجات أخوتها آتين من مناطق شعبية وهن غير متعلمات ....وكانت تخفيهم عنى وتغلق علينا غرفتها ولا تسمح لأحد بالدخول علينا حين أزورها فى منزل العائلة ......وهى على الرغم من سمارها المحبب والذى ورثته وحدها عن أبيها المنحدر من صعيد مصر الا أنها كانت دائمة التحدث معى بالفرنسية التى تجيدها كأهلها ويرجع الفضل فى هذا لأمها المتعلمة ذات الملامح التركية فى الشكل والذى ورثه عنها اخوتها الرجال....فرغم تربية أمها الصارمة، الا أنها كانت حريصة على الحاقها بإحدى المدارس التى تتولى فيها الراهبات الفرنسيات التدريس....ثم بعد ذلك كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية رغم ان اخوتها الشباب لم يكملوا تعليمهم العالى لانخراطهم فى العمل فى بيزنس العائلة بعد وفاة الأب....كانت أمها ترفض لها الكثير من الطلبات الا شراء الكتب فلم تقل لها لا أبدا على كتاب حتى و لو غلا ثمنه.....وكانت غرفتها المليئة بالكتب هى شرنقتها التى انعزلت فيها عن عائلتها... فهى لا تشاركهم فى شىء أبدا حتى فى وجبات الطعام... تأكل بمفردها فى غرفتها وحجتها أنها تريد أن تركز فى مذاكرتها ولا تضيع وقتها .....ولم تعترض أمها على صداقتنا - وهى التى حرمتها طويلا من الخروج مع الصديقات - رغم لقب مطلقة الذى أحمله وقد أخبرتنى أكثر من مرة بنفسها أنها توافق على خروجها معى للندوات والنزهات لأنى انسانة عاقلة ومتدينة ومؤتمنة حيث كنت أربى أولاد أختى المتوفاة بعد وفاة أمى.

و تعود بى الذكريات لحكاية صديقتى عن حبيبها ... ولقد عرفتنى عليه يوما ما فى احدى الندوات التى دعته اليها... فهو يصغرها بسنتين وقد كانت على مشارف الثلاثين يوم أن تعارفا ... وكان حاصلا على دبلوم صناعى تعرفت عليه يوم تعطلت سيارتها وتطوع لتشغليها دون سابق معرفة ودون أن يأخذ أجرا على عمله بالسيارة بعد ذلك فى ورشته ..... كان شابا مهذبا يكاد يذوب خجلا حين يلقانا ويأخذ جنبا ويعتصر كفيه بشدة حتى لا يمد يده بالسلام.... لا يتكلم كثيرا لكنه ينصت لحديثنا معا فى لقائى بهما ... ولا يتدخل فى حديثنا وكأنه لا يعنيه ولا يعنيه أيضا أن تتكلم معظم الوقت معى بالفرنسية والتى لا يعلم منها حرفا واحدا.... كانت أحيانا فيما بيننا تضحك على طريقته فى الكلام والملبس الا أنها رغم أنه impossible ، تحبه ... فرغم ثراء عائلتها وتعليمها هى الأجنبى الا أن جمالها البسيط كان يحصرالمتقدمين لها فى دائرة عمل إخوتها ....معلمين وتجار فى سوق الأزهر ممن يريدون القيام بصفقة الزواج طمعا فى صفقات تجارية أخرى....و زادها ذلك تصميما على الإرتباط بحبيبها فهو على الأقل متعلم وان كان قليلا ...... وهو مستعد لفتح منزل ولكن ليس كمنزلها... فعلى الرغم من أن الورشة فى حيه الشعبى تدر عليه ربحا جيدا الا أنه ما زال مكبلا بمسئوليته تجاه شقيقاته ووالدته .... وتعجبت كيف استطاعت تلك المستسلمة لهم دائما ارغام أهلها على الموافقة على زواجها منه رغم ما أعرفه عن صلابة رأيهم خاصة أمها فى موضوعات أخرى كسفرها بمفردها لإكمال تعليمها فى فرنسا مثلا ..... وكيف نجحت فى اقناعهم ولو اننى أشك أن الموضوع كان فيه تنازل منها عن جزء كبير من ارثها فى تجارة الوالد .... وكان أن قاموا بشراء شقة لها فى حى راق كطلبها بعيدا عن منزل العائلة والذى بنوا بها فيه شقة لها لم تدخلها أبدا.....وكيف أقنعت حبيبها بشراء شبكة أغلى مما يستطيع ومساهتها معه فى تدبير الفرق ليشرفها أمام أهلها....وكيف أنه لم يفهم اصرارها على الشبكة الألماظ والذى تراه شقيقاته "ولا يفرق عن الزجاج" ... قالت لى أنها تعرف انها تغالى فى طلباتها مع اخوتها وتستعين بأمها كثيرا حين يمتنعون عن الإمتثال لرغاباتها فكله من نصيبها فى الميراث والذى لم تأخذ منه مليما واحدا من قبل سوى مصاريف تعليمها وسيارة أهدونها لها بعد نجاحها فى الجامعة لتذهب بكرامة لعملها والذين لم يوافقوا عليه الا باصرار من أمها.أيضا.... وتفرغت شهور لإعداد بيتها وكانت تحكى لى بفرحة غامرة عن كل ما تشتريه من ماركات أصيلة للصينى وطقم الفضية والتحف والفازات السينييه ... وبالفعل تم تجهيزها بجهاز راق على حد تعبيرها فكل ما طلبته أحضروه لها ... فهى فى النهاية الصغرى والبنت الوحيدة اليتيمة التى لم ترى أبدا والدها....ولا أذكراننى حضرت زواجها ربما لعدم وجودى فى المدينة فى وقت حدوثه....بل لا أذكرهل أقامت فرحا أم لا؟؟ ولكنى أذكر جيدا أن فرحتها بالزواج كانت تفوق فرحتها بالزوج نفسه!

و تباعدت طرقنا فأنا سافرت للخارج للعمل وهى علمت فيما بعد أنها سافرت بمنحة للحصول على الماجستير من العاصمة الفرنسة بعد زواجها و انجابها لطفل وحيد وتركته مع والدتها والتى توفت بعد رحيلها بسنة فانتقل لأبيه تحت رعاية عماته فى شقة أهله القديمة..... وكنا نتراسل أحيانا ، وفى رسالاتها كانت تمدنى بالقليل عن أخبارها فى العيش بمفردها فى العاصمة الفرنسية وانجذاب الشباب الفرنسى لسمرتها ودهشتهم من جنسيتها المصرية..... ومن شطارتها فى الدرساة وتقافتها الواسعة ..... ثم تقابلنا فى احدى أجازاتى وكان طفلها فى سن دخول المدرسة و تبحث له عن مكان فى احدى المدارس الفرنسية ... وقالت أنها طلبت الطلاق لعدم التكافؤ بينها وبين زوجها ...وأنه يرفض أن يعطيها ولدها رغم أنها لا تريد منه شيئا غيرالطفل ، قهى تبريه من كل الحقوق وحكت لى أيضا استنكار أخوتها لطلبها ووتهديدهم لها بالمقاطعة.... وتحدثت - بنفس حماسها القديم فى الحديث عن حبها له- ولكن فى هذه المرة عن البغض الذى نما بينهما.... وعن أنه لا يفهمها ، بل انها لا تعرف كيف تتحدث معه وهو لا يجيد الحديث حتى بالعربية.... وعن طريقته المقززة فى الأكل ..... وأنها تخجل من الخروج معه فى الشارع ... وعن جلسته يوم الأجازة فى جلباب وشعره منكوش ... impossible....وعن اصطحابه للولد معه الى الورشة رغم أعوامه القليلة ، وتركه يلعب مع الكلاب فى الشارع..... وكنت أتسائل وأنا أتابع شكواها: هل كان زواجها تذكرة للخروج من شرنقة العائلة المتحفظة لتسافر وراء طموحها؟؟؟ هل أحبت زوجها أبدا أم أنها استشفت طيبته وتعلقه بها فكان الجسر الذى عبرت عليه للحصول على حريتها الحقيقية..... هل كان وسيلتها للهروب من شبح العنوسة؟؟؟ هل طلاقها نهاية لخطة رسمتها بغير قصد ؟؟؟؟ فماذا عن أمومتها هل جاءت مصادفة خارج التخطيط؟؟؟

ثم اختفت واختفت عنى أخبارها تماما.... ولا أدرى لم تذكرتها فجأة اليوم بعد عشرات السنين؟؟... والغريب انى أتذكرعنها تفاصيل صغيرة كثيرة الا اننى لا أذكر اسمها.... وأذكر تفاصيل كثيرة عن منزل عائلتها لكننى لا أذكر عنوانه !!!! ففى زحمة الأيام وتوالى السنين ضاع منى رقم تليفونها وأجدنى الآن أتذكر فى دهشة أنها لم تدعنى أبدا لمنزلها بعد زواجها ..... بل كنا نتقابل فى الأماكن العامة ... وأتذكر وجهها المحبب وعيناها نصف الليمونة والتى تعتصرهما عصرا حين تبكى.... ثم تكف فجأة عن البكاء لتسطع أسنانها البيضاء وتشرق ابتسامتها قائلة: " impossible".... وأذكر غطاء الرأس الذى خلعته قبل سفرها الى فرنسا واتجاهها للتدريس فى المركز الثقافى الفرنسى...ولكنتها الفرنسية والتى تتعمد فيها لثغ الرا ء ..... والغريب انى كنت أحبها أكثر بغطاء رأسها فلم يزيدها كشف شعرها بهاءا فقد كان غير ناعما وكانت تتركه غير مملس عمدا..... أذكرمناقشاتها التى لا تنتهى فى السياسة والدين والفن فثقافتها كانت متنوعة لقرائتها النهمة المتعددة الاتجاهات ... وكان لحديثها صخبا محببا فهو خليطا من الفرنسية والعربية والانجليزية أيضا ... أذكر الكثير من الدقائق عنها ولا أذكر اسمها .... كأنه مسح تماما من شريط الذكريات.... أين هى الآن يا ترى؟ هل تطلقت؟؟ وماذا عن ابنها؟؟؟ هل تركته لوالده ؟؟ هل عادت ثانية لفرنسا كما كانت تتمنى لنيل الدكتوراة ؟؟ لا أعرف وتمنيت لو أعرف !!! أو على الأقل أتذكر اسمها ..... فعلا Impossible"" .

الخميس، 25 يونيو 2009

كوسة - ليه سموها كده؟

فى أسواق الخضار بالأرياف ...كان التجار والمزارعون يخرجون مبكرا لحجز مكان لبيع الخضاروكانوا ينتظرون فى طابور طويل حتى يتم تحصيل الرسوم والسماح لهم بالدخول ، وأحياناً يكون الجو حار جداً خاصة فى الصيف ولا يتم أستثناء أحد من الطابور إلا تجار الكوسة لأنها تفسد سريعاً ولا تحتمل الحرارة فعندما يترك أحد الصف ويدخل دون أنتظار .. وتبدأ الناس فى الأحتجاج يرفع يده التاجر ويقول :كـــــــــوســـــــــــــــة!!!

اكتئاب

يعتى ايه اكتئاب!
يعنى ميكونش لك نفس تعمل أى حاجة؟ يعنى تصبح الصبح تقول ياه حأقوم أعمل ايه يعنى! ياعم خلينى نايم أحسن وياريت النوم ييجى الا ان كله كوابيس حتى لو جه! يعنى تحضر فطار وما تاكلش من ولا لقمة؟ أو تعمل شاى وتسيبه يبرد ولا تشربهوش! يعنى ترمى الجرنال بعد ماتقرا البخت وتسيب كل العناوين؟ يعنى تفتح البلكونة أو الشباك وتقعد ساعة مبحلق فى الفراغ؟ يعنى التليفون يرن وتشوف اسم الطالب وماتردش مش لأنك بتهرب منه ولكن لأنك مش عاوز تكلم حد؟ يعنى تلبس هدومك وتحط سماعات الآى بود فى ودانك وتروح النادى تفضل تلف فى التراك وترجع من غير ما حتى تشغل الجهاز ولا تسمع ولا أغنية؟ يعنى تكتشف انك ما سرحتش شعرك أو ما حلقتش دقنك من أيام ولا حتى بصيت فى المراية! يعنى تلبس نفس الهدوم لأيام وبعد ما تتغسل ترجع تانى تلبسها؟ يعنى تلف البيت من غرفة للتانية من غير ما تحس بتعمل ايه ولا انت عاوز ايه؟ يعنى نهارك يبقى ليلك وساعات نومك تقل وييجى عليك أيام ما تدوقش طعم النوم ! يعنى تقعدد تلعب سوليتير أو أى لعبة على الكمبيوترمن غير ما تكسب ولا جيم واحد !!! يعنى تفتح الأدراج وتقفلها من غير ما تاخد حاجة أو حتى تدور على حاجة! يعنى تضبط نفسك بتردد بيت شعر أو أغنية معينة وترددها بصوت عال جملة واحدة بتتكرر زى الأسطوانة المشروخة! يعنى تعصر عنييك وما تنزلش ولا نقطة دموع!
أذا كان هو ده الإكتئاب؟؟ يبقى أنا عندى اكتئاب!!!

شبراوية من شبرا

الأمير سنتر مكان سينما الأمير الصيفى

أيوة شبراوية من شبرا (خلوصى تحديدا أمام سينما الأمير أو اللى كانت قبل ما تبقى سنتر) . اتولدت فيها وعشت معظم سنين عمرى. سافرت واشتغلت واتغربت ولكن كل مرة بارجع لها بنفس الحب اللى عشته فيها. اتجوزت وخرجت منها واتطلقت ورجعت لها، ومن سبع سنين مشيت منها خالص . بحبها .... بحبها على رأى عبد الحليم.

فيها أول خطوة أخدتها وأول كلمة نطقتها وأول كلمة حب سمعتها. من مدرسة الراهبات فى ابتدائى للترعة الإعدادية لمدرسة شبرا الثانوية بنات ، وكورنيش روض الفرج وفسحة العصارى مع قزقزة الترمس واللب لشارع الترعة والكوافير بتاعى اللى كان بيخلينى على سنجة عشرة فى العيد وأنا صغيرة وبعدين كل أسبوع تسريحة وقصة بعد ما كبرت ودخلت الجامعة وحتى لما اشتغلت، وشارع شبرا ومحل مدبولى بتاع الأيس كريم والسينما الصيفى اللى فى خلوصى قدام البيت اللى حبينا الشاشة الفضية عن طريقها وكنا طول الصيف نسهر لحد ما نخلص ال3 أفلام حتى لو كان مش أول عرض، والجنينة الكبيرة اللى قدام العمارة اللى كانت صالة أفراح أو صالة عزاء عند اللزوم، وشجرة التوت والمامبوزيا اللى ياما أخدنا علق علشان نيلت لنا هدومنا، ومحل اللب والسودانى فى شارع شبرا لزوم سهرة أم كلثوم أول خميس فى كل شهر وحفلات عبد الحليم وأغنياته الجديدة اللى لازم تجمع أهل العمارة فى البكونة الكبيرة فى بيتنا بعد ما تتسمح ويتسقى الزرع فيها. لمحل السمك اللى على ناصية الدوران وأكلة سمك مشوى مع جمبرى على الأقل مرة كل شهر. أول مرة أسوق عربية كان فى جراج بيتنا فى شبرا. كانت العمارة ما تتقفلش لا ليل ولا نهار رغم بابها الحديد. ومولد النبى ومولد مارى جرجس ما تعرف الفرق بين مين بيشترى الحمص والحلاوة من اللى بيشترى خاتم عليه أيقونة العدرا . وكنيسة سانت تريزا والشمعة اللى لازم كل يوم امتحان الصبح تتولع . وآذان الفجر والمغرب فى الجوامع حوالينا فى رمضان وأجراس الكنائس كل يوم أحد الصبح ، ولوسى صاحبتى فى مدرسة الراهبات واللى علشانها كنت بأدخل معاها كنسية المدرسة كل يوم الصبح نصلى مع بعض، لا الراهبة منعتنى من الدخول ولا لما ماما عرفت زعلت ولا غضبت وبابا قال كلها صلوات لله، وكان باباها القسيس بيستشهد كثير فى كلامه العادى بآيات قرآنية وأحاديث ، وآذان الفجر والمغرب فى الجوامع حوالينا فى رمضان ، وأجراس الكنائس كل يوم أحد وعم أحمد المسحراتى بفانوسه اللى يدوبك بيشوف بيه خطوته، زينة الأعياد بالورق والنشا والدوبار بعد ما نلم التكاليف من الجيران ، والجيران قبل كل عيد حوالين صوانى الكعك الكل بينقش وما تعرف العيد عند مين المرة دى. فالصوانى طالعة من بيت والصحون المرشوشة سكر داخلة البيت التانى، وجورج ابن تانت تريزة أخويا فى الرضاعة بناء على نصيحة لوالدته اللى ما كانش بيعيش لها أولاد فكان من نصيبى نرضع سوى من والدتى ووالدته. وزفة االحجاج لما يرجعوا من العمرة للحج. ومستشفى كتشنر اللى توفت فيها أختى بعد الولادة ، وشبابها الرجالة اللى لو حد مش من الحتة عاكسنا يكون عليه العوض. والسلام اللى يترد عليه كل مرة بأحسن منه حتى لو عديت ألف مرة جامع أو كنيسة، ومن غير بوليس معسكر قدامها 24 ساعة ، و ابن الجيران لبيب المحامى اللى لم يكن أبى فى غيره ، وعندما مات أبو جورج منع والدى علينا مشاهده التليفزيون للاربعين مشاركه منا فى احزانهم. ومعاكسات الشباب المهذبة وضحك البنات المايصة ،والجمعيات اللى بيرتبوها حسب حاجة كل أسرة: فأم مارى تاخدهاعلى ميعاد جوازة بنتها وماما دورها فى دخول المدارس ، والسبت اللى نازل طالع من البلكونة طول النهار لبتاع العيش وبتاع الفول والبليلة وبتاع الخضار والفاكهة وبتاع الزبادى واللبن آخر النهار . وسلم العمارة اللى كل يومين ثلاثة يتكنس ويتمسح كل جارة تنظف قصاد بيتها وقبل ما تنشر غسيلها أو تنفض سجادتها تبعت شغالتها تستأذننا فى لم الغسيل المنشور على الحبل . والاصفارة أى حد من أولاد الجيران أو نداءباسم واحد فيهم كان كفاية علشان كل الجيران تفهم وتنوره له نور السلم من أول دور لآخر دور أصل ما كانش فيه ماكينة نور أتوماتيك. ايه الحب ده كله اللى كان بيجمع الناس ؟ ايه الأمان والتسامح اللى كنا عايشين فيه؟ جميلة يا حبيبتى يا شبرا
فمالذى حدث؟هل العيب فينا أم فى الزمن؟ احنا امتداد لنفس الناس... والناس دى هى اللى ربتنا... طيب العيب فين؟ فينا والا فى الزمن؟ ايه اللى ممكن نعمله علشان الزمن ده يرجع؟؟ تعالوا نفكر سوى!!